كتاب الموسوعة الفقهية الكويتية (اسم الجزء: 11)

الْحُقُوقِ مَرْتَبَةً وَأَقْوَاهَا هُوَ: تَجْهِيزُهُ لِلدَّفْنِ وَالْقِيَامُ بِتَكْفِينِهِ وَبِمَا لاَ بُدَّ لَهُ مِنْهُ، لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الَّذِي وَقَصَتْهُ نَاقَتُهُ: كَفِّنُوهُ فِي ثَوْبَيْنِ (1) وَلَمْ يَسْأَل هَل عَلَيْهِ دَيْنٌ أَمْ لاَ؟ لأَِنَّهُ مُحْتَاجٌ إِلَى ذَلِكَ، وَإِنَّمَا يَدْفَعُ إِلَى الْوَارِثِ مَا يَسْتَغْنِي عَنْهُ الْمُوَرِّثُ؛ لأَِنَّهُ إِذَا تُرِكَ لِلْمُفْلِسِ الْحَيِّ ثِيَابٌ تَلِيقُ بِهِ فَالْمَيِّتُ أَوْلَى أَنْ يُسْتَرَ وَيُوَارَى؛ لأَِنَّ الْحَيَّ يُعَالِجُ لِنَفْسِهِ، وَقَدْ كَفَّنَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ أُحُدٍ مُصْعَبًا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي - بُرْدَةٍ لَهُ، وَلَمْ يَكُنْ لَهُ غَيْرُهَا، وَكَفَّنَ حَمْزَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَيْضًا، وَلَمْ يَسْأَل عَنْ دَيْنٍ قَدْ يَكُونُ عَلَى أَحَدِهِمَا قَبْل التَّكْفِينِ.
أَمَّا إِذَا لَمْ تَكُنِ التَّرِكَةُ خَالِيَةً مِنْ تَعَلُّقِ حَقِّ الْغَيْرِ بِأَعْيَانِهَا قَبْل الْوَفَاةِ، كَأَنْ كَانَ فِيهَا شَيْءٌ مِنَ الأَْعْيَانِ الْمَرْهُونَةِ، أَوْ شَيْءٌ اشْتَرَاهُ وَلَمْ يَقْبِضْهُ وَلَمْ يَدْفَعْ ثَمَنَهُ، كَانَ حَقُّ الْمُرْتَهِنِ مُتَعَلِّقًا بِعَيْنِ الشَّيْءِ الْمَرْهُونِ، وَكَانَ حَقُّ الْبَائِعِ مُتَعَلِّقًا بِالْمَبِيعِ نَفْسِهِ الَّذِي لاَ يَزَال تَحْتَ يَدِهِ، فَفِي هَذِهِ الْحَالَةِ يَكُونُ الدَّيْنُ مُتَقَدِّمًا فِي الدَّفْعِ عَلَى تَكْفِينِ الْمَيِّتِ وَتَجْهِيزِهِ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ، وَهِيَ الرِّوَايَةُ الْمَشْهُورَةُ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ.
وَعِنْدَ الْحَنَابِلَةِ، وَغَيْرُ الْمَشْهُورِ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ: أَنَّهُ إِذَا مَاتَ الإِْنْسَانُ بُدِئَ بِتَكْفِينِهِ وَتَجْهِيزِهِ مُقَدَّمًا عَلَى غَيْرِهِ، كَمَا تُقَدَّمُ نَفَقَةُ الْمُفْلِسِ عَلَى
__________
(1) حديث: " كفنوه في ثوبين " أخرجه البخاري (الفتح 3 / 137 - ط السلفية) .
دُيُونِ غُرَمَائِهِ، ثُمَّ تُقْضَى دُيُونُهُ بَعْدَ تَجْهِيزِهِ وَدَفْنِهِ. (1)
وَالتَّفْصِيل فِي (جَنَائِزُ، وَدَيْنٌ) .

ثَانِيًا: أَدَاءُ الدَّيْنِ:
23 - يَأْتِي فِي الْمَرْتَبَةِ الثَّانِيَةِ أَدَاءُ الدُّيُونِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِالتَّرِكَةِ بَعْدَ تَجْهِيزِ الْمَيِّتِ - عَلَى التَّفْصِيل السَّابِقِ - لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ} . (2)
وَيُقَدَّمُ الدَّيْنُ عَلَى الْوَصِيَّةِ بِاتِّفَاقِ الْفُقَهَاءِ؛ لأَِنَّ الدَّيْنَ وَاجِبٌ مِنْ أَوَّل الأَْمْرِ، لَكِنَّ الْوَصِيَّةَ تَبَرُّعٌ ابْتِدَاءً، وَالْوَاجِبُ يُؤَدَّى قَبْل التَّبَرُّعِ.
وَعَنِ الإِْمَامِ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ قَال: إِنَّكُمْ تَقْرَءُونَ الْوَصِيَّةَ قَبْل الدَّيْنِ، وَقَدْ شَهِدْتُ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَدَأَ بِالدَّيْنِ قَبْل الْوَصِيَّةِ (3) وَهَذِهِ الدُّيُونُ أَوِ الْحُقُوقُ أَنْوَاعٌ: مِنْهَا: مَا يَكُونُ لِلَّهِ تَعَالَى، كَالزَّكَاةِ وَالْكَفَّارَاتِ وَالْحَجِّ الْوَاجِبِ.
وَمِنْهَا: مَا يَكُونُ لِلْعِبَادِ، كَدَيْنِ الصِّحَّةِ وَدَيْنِ الْمَرَضِ.
وَهَذِهِ الدُّيُونُ بِشَطْرَيْهَا، إِمَّا أَنْ تَتَعَلَّقَ بِعَيْنِ التَّرِكَةِ أَوْ بِجُزْءٍ مِنْهَا.
__________
(1) تبيين الحقائق 5 / 229 - 230، وابن عابدين 5 / 463، 483، وشرح السراجية ص 4، والشرح الكبير 4 / 457، وأسنى المطالب 3 / 3، ونهاية المحتاج 6 / 7، والعذب الفائض 1 / 13.
(2) سورة النساء / 11.
(3) المبسوط 29 / 137.

الصفحة 217