كتاب الموسوعة الفقهية الكويتية (اسم الجزء: 11)

كَالسَّاقِطِ فِي حَقِّ الدُّنْيَا؛ لأَِنَّهَا لَوْ لَمْ يُوصِ بِهَا لَمْ يَجِبْ عَلَى الْوَرَثَةِ أَدَاؤُهَا، فَكَانَ الإِْيصَاءُ بِأَدَائِهَا تَبَرُّعًا، فَيُعْتَبَرُ كَسَائِرِ التَّبَرُّعَاتِ مِنَ الثُّلُثِ بِخِلاَفِ دُيُونِ الْعِبَادِ، فَإِنَّهَا لاَ تَسْقُطُ بِالْمَوْتِ؛ لأَِنَّ الْمَقْصُودَ ثَمَّةَ الْمَال لاَ الْفِعْل؛ لِحَاجَةِ الْعِبَادِ إِلَى الأَْمْوَال. وَفِيهِ بَحْثٌ وَهُوَ أَنَّ الإِْيصَاءَ بِأَدَاءِ حُقُوقِ اللَّهِ تَعَالَى وَاجِبٌ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالإِْيصَاءُ بِسَائِرِ التَّبَرُّعَاتِ لَيْسَ بِلاَزِمٍ، فَلاَ وَجْهَ لِقِيَاسِ الإِْيصَاءِ بِأَدَاءِ حُقُوقِ اللَّهِ عَلَى الإِْيصَاءِ بِسَائِرِ التَّبَرُّعَاتِ، فَتَأَمَّل. (1)
هَذَا وَقَدِ اخْتَلَفَ الْجُمْهُورُ فِي بَعْضِ التَّفْصِيلاَتِ:
فَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ إِلَى أَنَّهُ بَعْدَ وَفَاءِ دَيْنِ الْعَبْدِ يَبْدَأُ بِوَفَاءِ حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى، فَيُقَدَّمُ هَدْيُ التَّمَتُّعِ إِنْ مَاتَ الْحَاجُّ بَعْدَ رَمْيِ جَمْرَةِ الْعَقَبَةِ، أَوْصَى بِهِ أَمْ لاَ، ثُمَّ زَكَاةُ فِطْرٍ فَرَّطَ فِيهَا، وَكَفَّارَاتٌ فَرَّطَ فِيهَا أَيْضًا، كَكَفَّارَةِ يَمِينٍ وَصَوْمٍ وَظِهَارٍ وَقَتْلٍ إِذَا أَشْهَدَ فِي صِحَّتِهِ أَنَّهَا بِذِمَّتِهِ، كُل ذَلِكَ يَخْرُجُ مِنْ رَأْسِ الْمَال، أَوْصَى بِإِخْرَاجِهَا أَمْ لَمْ يُوصِ؛ لأَِنَّ الْمُقَرَّرَ فِي مَذْهَبِ الْمَالِكِيَّةِ: أَنَّ حُقُوقَ اللَّهِ مَتَى أَشْهَدَ فِي صِحَّتِهِ بِهَا خَرَجَتْ مِنْ رَأْسِ الْمَال، فَإِنْ أَوْصَى بِهَا وَلَمْ يُشْهِدْ فَتَخْرُجُ مِنَ الثُّلُثِ.
وَمِثْل مَا تَقَدَّمَ: زَكَاةُ النَّقْدَيْنِ الَّتِي حَلَّتْ وَأَوْصَى بِهَا، وَزَكَاةُ مَاشِيَةٍ وَجَبَتْ وَلاَ سَاعِيَ
__________
(1) شرح السراجية للجرجاني بحاشية الفناري ص 30.
لأَِخْذِهَا وَلَمْ تُوجَدِ السِّنُّ الَّتِي تَجِبُ فِيهَا، فَإِنْ وُجِدَتْ فَهُوَ كَالدَّيْنِ الْمُتَعَلِّقِ بِعَيْنٍ، فَيَجِبُ إِخْرَاجُهُ قَبْل الْكَفَنِ وَالتَّجْهِيزِ.
وَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ إِلَى: أَنَّهُ بَعْدَ تَجْهِيزِ الْمَيِّتِ وَتَكْفِينِهِ تُقْضَى دُيُونُهُ الْمُتَعَلِّقَةُ بِذِمَّتِهِ مِنْ رَأْسِ الْمَال، سَوَاءٌ أَكَانَتْ لِلَّهِ تَعَالَى أَمْ لآِدَمِيٍّ، أَوْصَى بِهَا أَمْ لَمْ يُوصِ؛ لأَِنَّهَا حَقُّ وَاجِبٌ عَلَيْهِ. هَذَا وَإِنَّ مَحَل تَأْخِيرِ الدَّيْنِ عَنْ مُؤَنِ التَّجْهِيزِ إِذَا لَمْ يَتَعَلَّقْ بِعَيْنِ التَّرِكَةِ حَقٌّ، فَإِنْ تَعَلَّقَ بِعَيْنِ التَّرِكَةِ حَقٌّ قُدِّمَ عَلَى التَّجْهِيزِ، وَذَلِكَ كَالزَّكَاةِ الْوَاجِبَةِ فِيمَا قَبْل مَوْتِهِ، وَلَوْ مِنْ غَيْرِ الْجِنْسِ، فَيُقَدَّمُ عَلَى مُؤَنِ التَّجْهِيزِ، بَل عَلَى كُل حَقٍّ تَعَلَّقَ بِهَا فَكَانَتْ كَالْمَرْهُونِ بِهَا.
وَذَهَبَ الْحَنَابِلَةُ إِلَى: أَنَّهُ بَعْدَ التَّجْهِيزِ وَالتَّكْفِينِ يُوَفَّى حَقَّ مُرْتَهِنٍ بِقَدْرِ الرَّهْنِ، ثُمَّ إِنْ فَضَل لِلْمُرْتَهِنِ شَيْءٌ مِنْ دَيْنِهِ شَارَكَ الْغُرَمَاءَ.
ثُمَّ بَعْدَ مَا سَبَقَ مِنْ تَسْدِيدِ الدُّيُونِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِأَعْيَانِ التَّرِكَةِ، تُسَدَّدُ الدُّيُونُ غَيْرُ الْمُتَعَلِّقَةِ بِالأَْعْيَانِ، وَهِيَ الَّتِي تَثْبُتُ فِي الذِّمَّةِ، وَيَتَعَلَّقُ حَقُّ الْغُرَمَاءِ بِالتَّرِكَةِ كُلِّهَا، سَوَاءٌ اسْتَغْرَقَهَا الدَّيْنُ أَمْ لَمْ يَسْتَغْرِقْهَا، وَسَوَاءٌ أَكَانَ الدَّيْنُ لِلَّهِ تَعَالَى كَالزَّكَاةِ وَالْكَفَّارَاتِ وَالْحَجِّ الْوَاجِبِ، أَمْ كَانَ لآِدَمِيٍّ كَالْقَرْضِ وَالثَّمَنِ وَالأُْجْرَةِ.
فَإِنْ زَادَتِ الدُّيُونُ عَنِ التَّرِكَةِ، وَلَمْ تَفِ بِدَيْنِ

الصفحة 220