كتاب الموسوعة الفقهية الكويتية (اسم الجزء: 11)

الْمُخَدِّرَاتِ، إِمَّا أَنْ يَكُونَ لِلتَّدَاوِي أَوْ لاَ، فَإِنْ كَانَ لِلتَّدَاوِي فَإِنَّ تَصَرُّفَاتِهِ لاَ تَصِحُّ عِنْدَ جَمَاهِيرِ الْفُقَهَاءِ.
أَمَّا إِذَا كَانَ زَوَال الْعَقْل بِتَنَاوُل الْمُخَدِّرَاتِ لاَ لِلتَّدَاوِي، فَإِنَّ الْفُقَهَاءَ مُخْتَلِفُونَ فِيمَا يَصِحُّ مِنْ تَصَرُّفَاتِهِ وَمَا لاَ يَصِحُّ.
فَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ إِلَى أَنَّ تَصَرُّفَاتِهِ صَحِيحَةٌ إِذَا اسْتَعْمَل الأَْفْيُونَ لِلَّهْوِ؛ لِكَوْنِهِ مَعْصِيَةً، وَاسْتَثْنَى الْحَنَفِيَّةُ الرِّدَّةَ وَالإِْقْرَارَ بِالْحُدُودِ وَالإِْشْهَادَ عَلَى شَهَادَةِ نَفْسِهِ فَإِنَّهَا لاَ تَصِحُّ، وَمَحَل ذَلِكَ إِذَا كَانَ لاَ يَعْرِفُ الأَْرْضَ مِنَ السَّمَاءِ، أَمَّا إِذَا كَانَ يَعْرِفُ ذَلِكَ فَهُوَ كَالصَّاحِي، فَكُفْرُهُ صَحِيحٌ، وَكَذَلِكَ طَلاَقُهُ وَعَتَاقُهُ وَخُلْعُهُ.
قَال ابْنُ عَابِدِينَ فِي الْحَشِيشَةِ وَالسُّكْرِ بِهَا: فَلَمَّا ظَهَرَ مِنْ أَمْرِهَا - أَيِ الْحَشِيشَةِ - مِنَ الْفَسَادِ كَثِيرٌ وَفَشَا، عَادَ مَشَايِخُ الْمَذْهَبَيْنِ - الْحَنَفِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ - إِلَى تَحْرِيمِهَا وَأَفْتَوْا بِوُقُوعِ الطَّلاَقِ بِهَا.
وَزَادَ بَعْضُ الْحَنَفِيَّةِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ أَنَّ زَوَال الْعَقْل إِذَا كَانَ بِالْبَنْجِ وَالأَْفْيُونِ، وَكَانَ لِلتَّدَاوِي - أَيْ عَلَى سَبِيل الْجَوَازِ - أَنَّ الطَّلاَقَ يَقَعُ زَجْرًا وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى. (1)
__________
(1) ابن عابدين 2 / 424، وفتح القدير 3 / 40، وحاشية أبي السعود على منلا مسكين 2 / 110، والبحر الرائق 3 / 266 - 267، والفتاوى الفقهية 1 / 353
وَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ إِلَى صِحَّةِ طَلاَقِهِ وَعِتْقِهِ وَتَلْزَمُهُ الْحُدُودُ وَالْجِنَايَاتُ عَلَى نَفْسٍ وَمَالٍ، بِخِلاَفِ عُقُودِهِ مِنْ بَيْعٍ وَشِرَاءٍ وَإِجَارَةٍ وَنِكَاحٍ وَإِقْرَارَاتٍ فَلاَ تَصِحُّ وَلاَ تَلْزَمُ عَلَى الْمَشْهُورِ. (1)
وَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ إِلَى صِحَّةِ جَمِيعِ تَصَرُّفَاتِهِ؛ لِعِصْيَانِهِ بِسَبَبِ زَوَال عَقْلِهِ، فَجُعِل كَأَنَّهُ لَمْ يَزُل. (2)
وَالصَّحِيحُ مِنْ مَذْهَبِ الْحَنَابِلَةِ أَنَّ تَنَاوُل الْبَنْجِ وَنَحْوِهِ لِغَيْرِ حَاجَةٍ - إِذَا زَال الْعَقْل بِهِ كَالْمَجْنُونِ - لاَ يَقَعُ طَلاَقُ مَنْ تَنَاوَلَهُ؛ لأَِنَّهُ لاَ لَذَّةَ فِيهِ، وَفَرَّقَ الإِْمَامُ أَحْمَدُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ السَّكْرَانِ فَأَلْحَقَهُ بِالْمَجْنُونِ، وَقَدَّمَهُ فِي " النَّظْمِ " " وَالْفُرُوعِ " وَهُوَ الظَّاهِرُ مِنْ كَلاَمِ الْخِرَقِيِّ فَإِنَّهُ قَال: وَطَلاَقُ الزَّائِل الْعَقْل بِلاَ سُكْرٍ لاَ يَقَعُ. قَال الزَّرْكَشِيُّ - مِنَ الْحَنَابِلَةِ - وَمِمَّا يُلْحَقُ بِالْبَنْجِ الْحَشِيشَةُ الْخَبِيثَةُ، وَأَبُو الْعَبَّاسِ ابْنُ تَيْمِيَّةَ يَرَى أَنَّ حُكْمَهَا حُكْمُ الشَّرَابِ الْمُسْكِرِ حَتَّى فِي إِيجَابِ الْحَدِّ، وَهُوَ الصَّحِيحُ إِنْ أَسْكَرَتْ، أَوْ أَسْكَرَ كَثِيرُهَا وَإِلاَّ حَرُمَتْ، وَعُزِّرَ فَقَطْ فِيهَا. (3)

عُقُوبَةُ مُتَنَاوِل الْمُخَدِّرَاتِ:
15 - اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّ مُتَنَاوِل الْمُخَدِّرَاتِ
__________
(1) الدسوقي مع الشرح الكبير 2 / 325، وبلغة السالك 2 / 543 ط دار المعارف، والعدوي على الخرشي 4 / 32
(2) شرح البهجة 4 / 246 - 247، وإعانة الطالبين 4 / 5
(3) الإنصاف 8 / 438، وكشاف القناع 5 / 234

الصفحة 37