كتاب الموسوعة الفقهية الكويتية (اسم الجزء: 11)

لِلتَّدَاوِي وَلَوْ زَال عَقْلُهُ لاَ عُقُوبَةَ عَلَيْهِ، مِنْ حَدٍّ أَوْ تَعْزِيرٍ. أَمَّا إِذَا تَنَاوَل الْقَدْرَ الْمُزِيل لِلْعَقْل بِدُونِ عُذْرٍ فَإِنَّهُ لاَ حَدَّ عَلَيْهِ أَيْضًا عِنْدَ جَمَاهِيرِ الْعُلَمَاءِ - إِلاَّ مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ ابْنُ تَيْمِيَّةَ فِي إِيجَابِ الْحَدِّ عَلَى مَنْ سَكِرَ مِنَ الْحَشِيشَةِ، مُفَرِّقًا بَيْنَهَا وَبَيْنَ سَائِرِ الْمُخَدِّرَاتِ. بِأَنَّ الْحَشِيشَةَ تُشْتَهَى وَتُطْلَبُ بِخِلاَفِ الْبَنْجِ، فَالْحُكْمُ عِنْدَهُ مَنُوطٌ بِاشْتِهَاءِ النَّفْسِ.
وَاتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ أَيْضًا عَلَى تَعْزِيرِ مُتَنَاوِل الْمُخَدِّرَاتِ بِدُونِ عُذْرٍ، لَكِنْ ذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ إِلَى أَنَّ الأَْفْيُونَ وَغَيْرَهُ إِذَا أُذِيبَ وَاشْتَدَّ وَقُذِفَ بِالزُّبْدِ، فَإِنَّهُ يُلْحَقُ بِالْخَمْرِ فِي النَّجَاسَةِ وَالْحَدِّ، كَالْخُبْزِ إِذَا أُذِيبَ وَصَارَ كَذَلِكَ، بَل أَوْلَى.
وَقَيَّدَ الشَّافِعِيَّةُ عُقُوبَةَ مُتَنَاوِل الْمُخَدِّرَاتِ بِمَا إِذَا لَمْ يَصِل إِلَى حَالَةٍ تُلْجِئُهُ إِلَى ذَلِكَ كَمَا سَبَقَ، فَإِنْ وَصَل إِلَى تِلْكَ الْحَالَةِ لاَ يُعَزَّرُ، بَل يَجِبُ عَلَيْهِ الإِْقْلاَعُ عَنْهُ إِمَّا بِاسْتِعْمَال ضِدِّهِ أَوْ تَقْلِيلِهِ تَدْرِيجِيًّا. (1)
__________
(1) ابن عابدين 3 / 165، والجوهرة 2 / 228، ودر المنتقى شرح الملتقى بهامش مجمع الأنهر 1 / 610، والدسوقي 4 / 313، والحطاب 1 / 90، وحاشية الشبراملسي على نهاية المحتاج 8 / 10، وإعانة الطالبين 4 / 156، ومطالب أولي النهى 5 / 224 - 225، ومجموعة فتاوى ابن تيمية 34 / 198، 214
تَخْذِيلٌ

التَّعْرِيفُ:
1 - التَّخْذِيل لُغَةً: حَمْل الرَّجُل عَلَى خِذْلاَنِ صَاحِبِهِ، وَتَثْبِيطِهِ عَنْ نُصْرَتِهِ، يُقَال: خَذَّلْتَهُ تَخْذِيلاً: حَمَلْتَهُ عَلَى الْفَشَل وَتَرْكِ الْقِتَال. (1)
وَاصْطِلاَحًا: صَدُّ النَّاسِ عَنِ الْغَزْوِ وَتَزْهِيدُهُمْ فِي الْخُرُوجِ إِلَيْهِ (2) .

الْحُكْمُ الإِْجْمَالِيُّ وَمَوَاطِنُ الْبَحْثِ:
2 - يَحْرُمُ تَخْذِيل الْمُجَاهِدِينَ عَنِ الْجِهَادِ بِأَيِّ وَسِيلَةٍ حَصَل مِنْ قَوْلٍ أَوْ فِعْلٍ. قَال اللَّهُ تَعَالَى فِي ذَمِّ الْمُخَذِّلِينَ: {قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الْمُعَوِّقِينَ مِنْكُمْ وَالْقَائِلِينَ لإِِخْوَانِهِمْ هَلُمَّ إِلَيْنَا وَلاَ يَأْتُونَ الْبَأْسَ إِلاَّ قَلِيلاً} (3) .
وَقَال أَيْضًا فِي شَأْنِ الْمُنَافِقِينَ: {فَرِحَ الْمُخَلَّفُونَ بِمَقْعَدِهِمْ خِلاَفَ رَسُول اللَّهِ وَكَرِهُوا أَنْ يُجَاهِدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيل اللَّهِ
__________
(1) لسان العرب، والمصباح المنير مادة: " خذل "
(2) كشاف القناع 3 / 62 - نشر مكتبة النصر الحديثة، وروضة الطالبين 1 / 240
(3) سورة الأحزاب / 18

الصفحة 38