كتاب الموسوعة الفقهية الكويتية (اسم الجزء: 11)

ثَالِثًا: تَخْلِيل الْخَمْرِ:
13 - اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّ الْخَمْرَ إِذَا تَخَلَّلَتْ بِغَيْرِ عِلاَجٍ، بِأَنْ تَغَيَّرَتْ مِنَ الْمَرَارَةِ إِلَى الْحُمُوضَةِ وَزَالَتْ أَوْصَافُهَا، فَإِنَّ ذَلِكَ الْخَل حَلاَلٌ طَاهِرٌ، لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: نِعْمَ الأُْدْمُ أَوِ الإِْدَامُ الْخَل (1) ، وَلأَِنَّ عِلَّةَ النَّجَاسَةِ وَالتَّحْرِيمِ الإِْسْكَارُ، وَقَدْ زَالَتْ، وَالْحُكْمُ يَدُورُ مَعَ عِلَّتِهِ وُجُودًا وَعَدَمًا (2) .
وَكَذَلِكَ إِذَا تَخَلَّلَتْ بِنَقْلِهَا مِنْ شَمْسٍ إِلَى ظِلٍّ وَعَكْسِهِ عِنْدَ جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ: (الْحَنَفِيَّةِ وَالْمَالِكِيَّةِ وَهُوَ الأَْصَحُّ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ) وَبِهِ قَال الْحَنَابِلَةُ إِذَا كَانَ النَّقْل لِغَيْرِ قَصْدِ التَّخْلِيل. (3)

14 - وَاخْتَلَفُوا فِي جَوَازِ تَخْلِيل الْخَمْرِ بِإِلْقَاءِ شَيْءٍ فِيهَا، كَالْخَل وَالْبَصَل وَالْمِلْحِ وَنَحْوِهِ. فَقَال الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ، وَهُوَ رِوَايَةُ ابْنِ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ: إِنَّهُ لاَ يَحِل تَخْلِيل الْخَمْرِ بِالْعِلاَجِ، وَلاَ تَطْهُرُ بِذَلِكَ، لِحَدِيثِ مُسْلِمٍ عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَال: سُئِل النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ الْخَمْرِ تُتَّخَذُ خَلًّا، قَال: لاَ (4) .
__________
(1) حديث: " نعم الأدم أو الإدام الخل ". أخرجه مسلم (4 / 1621 - ط عيسى الحلبي) من حديث عائشة رضي الله عنها
(2) ابن عابدين 1 / 209، 5 / 290، وتبيين الحقائق للزيلعي 1 / 48، والدسوقي 1 / 52، والحطاب 1 / 97، 98، ونهاية المحتاج 1 / 230، 231، وكشاف القناع 1 / 187، والمغني 1 / 72
(3) المراجع السابقة
(4) حديث: " سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن الخمر تتخذ خلا؟ . . . " أخرجه مسلم (3 / 1573 - ط عيسى الحلبي) من حديث أنس
وَلأَِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَ بِإِهْرَاقِهَا. (1) وَلأَِنَّ الْخَمْرَ نَجِسَةٌ أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى بِاجْتِنَابِهَا، وَمَا يُلْقَى فِي الْخَمْرِ يَتَنَجَّسُ بِأَوَّل الْمُلاَقَاةِ، وَمَا يَكُونُ نَجِسًا لاَ يُفِيدُ الطَّهَارَةَ. (2)
وَصَرَّحَ الْحَنَفِيَّةُ - وَهُوَ الرَّاجِحُ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ بِجَوَازِ تَخْلِيل الْخَمْرِ، فَتَصِيرُ بَعْدَ التَّخْلِيل طَاهِرَةً حَلاَلاً عِنْدَهُمْ، لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: نِعْمَ الإِْدَامُ الْخَل (3) فَيَتَنَاوَل جَمِيعَ أَنْوَاعِهَا؛
وَلأَِنَّ بِالتَّخْلِيل إِزَالَةَ الْوَصْفِ الْمُفْسِدِ وَإِثْبَاتَ الصَّلاَحِ، وَالإِْصْلاَحُ مُبَاحٌ كَمَا فِي دَبْغِ الْجِلْدِ، فَإِنَّ الدِّبَاغَ يُطَهِّرُهُ، لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَيُّمَا إِهَابٍ دُبِغَ فَقَدْ طَهُرَ (4) . وَتَفْصِيلُهُ فِي مُصْطَلَحِ: (خَمْرٌ)
__________
(1) حديث: " أمر بإهراقها " أخرجه البخاري (فتح الباري 10 / 37 - السلفية) ، ومسلم (3 / 1571 - ط عيسى الحلبي) من حديث أنس بن مالك
(2) نهاية المحتاج 1 / 131، 132، وكشاف القناع 1 / 187، والحطاب 1 / 98
(3) حديث: " نعم الإدام الخل " سبق تخريجه (ف 13)
(4) الزيلعي 3 / 48، وحاشية ابن عابدين على الدر 1 / 209، 5 / 290، والحطاب 1 / 98، وحاشية الدسوقي 1 / 52. وحديث: " أيما إهاب دبغ. . . " أخرجه النسائي 7 / 173 ط المكتبة التجارية من حديث ابن عباس رضي الله عنهما، وأصله في صحيح مسلم (1 / 177، ط عيسى الحلبي) بلفظ " إذا دبغ الإهاب فقد طهر "

الصفحة 55