كتاب الموسوعة الفقهية الكويتية (اسم الجزء: 11)

وَالأَْصْل أَنَّ التَّخْلِيَةَ نَوْعٌ مِنْ أَنْوَاعِ التَّسْلِيمِ، وَالْقَبْضَ أَثَرٌ لَهُمَا، فَالتَّسْلِيمُ قَدْ يَكُونُ بِالنَّقْل وَالتَّحْوِيل، وَقَدْ يَكُونُ بِالتَّخْلِيَةِ، فَإِذَا بَاعَ دَارًا مَثَلاً، وَخَلَّى الْبَائِعُ بَيْنَ الْمَبِيعِ وَبَيْنَ الْمُشْتَرِي، بِرَفْعِ الْحَائِل بَيْنَهُمَا عَلَى وَجْهٍ يَتَمَكَّنُ مِنَ التَّصَرُّفِ فِيهِ، أَصْبَحَ الْبَائِعُ مُسَلِّمًا لِلْمَبِيعِ وَالْمُشْتَرِي قَابِضًا لَهُ. (1)

الأَْحْكَامُ الإِْجْمَالِيَّةُ لِلتَّخْلِيَةِ:
4 - التَّخْلِيَةُ قَبْضٌ فِي الْعَقَارِ اتِّفَاقًا، وَكَذَلِكَ فِي بَيْعِ الثَّمَرِ عَلَى الشَّجَرِ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ، خِلاَفًا لِلْمَالِكِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ. (2)
أَمَّا تَخْلِيَةُ مَا يُمْكِنُ نَقْلُهُ مِنَ الأَْعْيَانِ فَاخْتَلَفُوا فِيهَا:
قَال الْحَنَفِيَّةُ، وَهُوَ قَوْلٌ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ، وَرِوَايَةٌ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ: إِنَّ التَّخْلِيَةَ قَبْضٌ حُكْمًا مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَيْهِ بِلاَ كُلْفَةٍ، وَذَلِكَ يَخْتَلِفُ بِحَسَبِ اخْتِلاَفِ الْمَبِيعِ، فَفِي نَحْوِ حِنْطَةٍ فِي بَيْتٍ مَثَلاً دَفْعُ الْمِفْتَاحِ إِذَا أَمْكَنَهُ الْفَتْحُ بِلاَ كُلْفَةٍ قَبْضٌ، وَفِي نَحْوِ بَقَرٍ فِي مَرْعًى بِحَيْثُ يُرَى وَيُشَارُ إِلَيْهِ قَبْضٌ، وَفِي نَحْوِ ثَوْبٍ بِحَيْثُ لَوْ مَدَّ يَدَهُ فَتَصِل إِلَيْهِ قَبْضٌ، وَفِي
__________
(1) البدائع 5 / 244، والدسوقي 3 / 145، والمجموع 9 / 265، 272، والمغني لابن قدامة 4 / 125
(2) شرح معاني الآثار للطحاوي 4 / 36، وجواهر الإكليل 2 / 52، والمجموع للنووي 9 / 265، 266، والمغني 4 / 118، 119
نَحْوِ فَرَسٍ أَوْ طَيْرٍ فِي بَيْتٍ يُمْكِنُ أَخْذُهُ مِنْهُ بِلاَ مُعِينٍ قَبْضٌ. (1)
وَاشْتَرَطَ الْحَنَفِيَّةُ لاِعْتِبَارِ التَّخْلِيَةِ قَبْضًا أَنْ يَقُول الْبَائِعُ: خَلَّيْتُ بَيْنَكَ وَبَيْنَ الْمَبِيعِ، فَلَوْ لَمْ يَقُلْهُ، أَوْ كَانَ بَعِيدًا لَمْ يَصِرْ قَابِضًا، وَالْمُرَادُ بِهِ الإِْذْنُ بِالْقَبْضِ، لاَ خُصُوصُ لَفْظِ التَّخْلِيَةِ. (2)
وَقَال الشَّافِعِيَّةُ فِي الْمُعْتَمَدِ: إِنَّ مَا يُنْقَل فِي الْعَادَةِ، كَالأَْخْشَابِ وَالْحُبُوبِ وَنَحْوِهَا، فَقَبْضُهُ بِالنَّقْل إِلَى مَكَانٍ لاَ اخْتِصَاصَ لِلْبَائِعِ بِهِ، وَمَا يُتَنَاوَل بِالْيَدِ كَالدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ وَالثَّوْبِ وَالْكِتَابِ فَقَبْضُهُ بِالتَّنَاوُل. (3)
وَهُوَ مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ الْحَنَابِلَةُ. (4) فَلاَ تَكْفِي التَّخْلِيَةُ فِي الْمَنْقُول عِنْدَهُمْ.
وَصَرَّحَ الْمَالِكِيَّةُ بِأَنَّ قَبْضَ الْعَقَارِ يَكُونُ بِالتَّخْلِيَةِ لِلْمُشْتَرِي وَتَمْكِينُهُ مِنَ التَّصَرُّفِ فِيهِ، بِتَسْلِيمِ مَفَاتِيحِهِ إِنْ كَانَتْ، وَقَبْضُ غَيْرِهِ يَكُونُ حَسَبَ الْمُتَعَارَفِ بَيْنَ النَّاسِ كَحِيَازَةِ الثَّوْبِ وَاسْتِلاَمِ مِقْوَدِ الدَّابَّةِ. (5)
5 - وَفِي الْمَوَاضِيعِ الَّتِي تُعْتَبَرُ التَّخْلِيَةُ فِيهَا تَسْلِيمًا وَقَبْضًا يَنْتَقِل الضَّمَانُ مِنْ ذِمَّةِ الْمُخَلِّي إِلَى ذِمَّةِ
__________
(1) ابن عابدين 4 / 43، والمجموع للنووي 9 / 265 - 270، والمغني لابن قدامة 4 / 125
(2) ابن عابدين 4 / 43
(3) المجموع للنووي 9 / 270 - 272
(4) المغني لابن قدامة 4 / 126، 129
(5) جواهر الإكليل 2 / 51

الصفحة 57