كتاب الموسوعة الفقهية الكويتية (اسم الجزء: 11)

كَلاَمِهِ لِينٌ، وَفِي أَعْضَائِهِ تَكَسُّرٌ خِلْقَةً، وَلَمْ يَشْتَهِرْ بِشَيْءٍ مِنَ الأَْفْعَال الرَّدِيئَةِ، فَهُوَ عَدْلٌ مَقْبُول الشَّهَادَةِ.
وَاعْتَبَرَ الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ التَّشَبُّهَ بِالنِّسَاءِ مُحَرَّمًا تُرَدُّ بِهِ الشَّهَادَةُ، وَلاَ يَخْفَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالتَّشَبُّهِ التَّعَمُّدُ، لاَ الْمُشَابَهَةُ الَّتِي تَأْتِي طَبْعًا.
وَاعْتَبَرَ الْمَالِكِيَّةُ الْمُجُونَ مِمَّا تُرَدُّ بِهِ الشَّهَادَةُ، وَمِنَ الْمُجُونِ التَّخَنُّثُ.
وَعَلَيْهِ تَكُونُ الْمَذَاهِبُ مُتَّفِقَةً فِي التَّفْصِيل الَّذِي أَوْرَدَهُ الْحَنَفِيَّةُ، وَتَفْصِيلُهُ فِي (شَهَادَةٍ) . (1)

نَظَرُ الْمُخَنَّثِ لِلنِّسَاءِ:
هـ - الْمُخَنَّثُ بِالْمَعْنَى الْمُتَقَدِّمِ، وَاَلَّذِي لَهُ أَرَبٌ فِي النِّسَاءِ، لاَ خِلاَفَ فِي حُرْمَةِ اطِّلاَعِهِ عَلَى النِّسَاءِ وَنَظَرِهِ إِلَيْهِنَّ؛ لأَِنَّهُ فَحْلٌ فَاسِقٌ - كَمَا قَال ابْنُ عَابِدِينَ.
أَمَّا إِذَا كَانَ مُخَنَّثًا بِالْخِلْقَةِ، وَلاَ إِرْبَ لَهُ فِي النِّسَاءِ، فَقَدْ صَرَّحَ الْمَالِكِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ وَبَعْضُ الْحَنَفِيَّةِ بِأَنَّهُ يُرَخَّصُ بِتَرْكِ مِثْلِهِ مَعَ النِّسَاءِ، وَلاَ بَأْسَ بِنَظَرِهِ إِلَيْهِنَّ، اسْتِدْلاَلاً بِقَوْلِهِ تَعَالَى فِيمَنْ يَحِل لَهُمُ النَّظْرُ إِلَى النِّسَاءِ، وَيَحِل لِلنِّسَاءِ الظُّهُورُ أَمَامَهُمْ مُتَزَيِّنَاتٍ، حَيْثُ عُدَّ مِنْهُمْ أَمْثَال
__________
(1) تبيين الحقائق للزيلعي 4 / 221، وابن عابدين 4 / 381، والقليوبي 2 / 320، 321، وجواهر الإكليل 2 / 233، والحطاب 6 / 152، والمغني 9 / 174
هَؤُلاَءِ، وَهُوَ {أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُولِي الإِْرْبَةِ مِنَ الرِّجَال} (1) . . .
وَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ وَأَكْثَرُ الْحَنَفِيَّةِ إِلَى أَنَّ الْمُخَنَّثَ - وَلَوْ كَانَ لاَ إِرْبَ لَهُ فِي النِّسَاءِ - لاَ يَجُوزُ نَظَرُهُ إِلَى النِّسَاءِ، وَحُكْمُهُ فِي هَذَا كَالْفَحْل: اسْتِدْلاَلاً بِحَدِيثِ لاَ يَدْخُلَنَّ هَؤُلاَءِ عَلَيْكُنَّ (2) .

عُقُوبَةُ الْمُخَنَّثِ:
6 - الْمُخَنَّثُ بِالاِخْتِيَارِ مِنْ غَيْرِ ارْتِكَابِ الْفِعْل الْقَبِيحِ مَعْصِيَةٌ لاَ حَدَّ فِيهَا وَلاَ كَفَّارَةَ، فَعُقُوبَتُهُ عُقُوبَةٌ تَعْزِيرِيَّةٌ تُنَاسِبُ حَالَةَ الْمُجْرِمِ وَشِدَّةَ الْجُرْمِ. وَقَدْ وَرَدَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَزَّرَ الْمُخَنَّثِينَ بِالنَّفْيِ، فَأَمَرَ بِإِخْرَاجِهِمْ مِنَ الْمَدِينَةِ، وَقَال: أَخْرِجُوهُمْ مِنْ بُيُوتِكُمْ (3) وَكَذَلِكَ فَعَل الصَّحَابَةُ مِنْ بَعْدِهِ. (4)
أَمَّا إِنْ صَدَرَ مِنْهُ مَعَ تَخَنُّثِهِ تَمْكِينُ الْغَيْرِ مِنْ فِعْل الْفَاحِشَةِ بِهِ، فَقَدِ اُخْتُلِفَ فِي عُقُوبَتِهِ،
__________
(1) سورة النور / 31
(2) ابن عابدين 5 / 239، وأسنى المطالب 3 / 112، والبجيرمي على الخطيب 3 / 314، والقرطبي 12 / 234، والمغني 6 / 561، 562. وحديث: " لا يدخلن هؤلاء عليكن ". أخرجه البخاري (الفتح 10 / 333 - ط السلفية)
(3) حديث: " أخرجوهم من بيوتكم ". أخرجه البخاري (الفتح 10 / 333 - ط السلفية)
(4) تبصرة الحكام على هامش فتح العلي المالك 2 / 260، وفتح الباري 10 / 332

الصفحة 64