كتاب الموسوعة الفقهية الكويتية (اسم الجزء: 11)

وَقَال لَهُمَا: اُدْعُوَاهَا فَمَالَتِ الصَّبِيَّةُ إِلَى أُمِّهَا، فَقَال النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: اللَّهُمَّ اهْدِهَا فَمَالَتْ إِلَى أَبِيهَا (1) } .
وَجَاءَ فِي رِوَايَةٍ أَنَّهُ ابْنُهُمَا وَلَيْسَتْ بِنْتَهُمَا، وَلَعَلَّهُمَا قَضِيَّتَانِ مُخْتَلِفَتَانِ.
كَمَا يُحْمَل مَا وَرَدَ فِي تَخْيِيرِ الْغُلاَمِ عَلَى أَنَّهُ كَانَ بَالِغًا، بِدَلِيل أَنَّهُ كَانَ يَسْتَسْقِي مِنْ بِئْرِ أَبِي عِنَبَةَ، وَمَنْ يَكُونُ دُونَ الْبُلُوغِ لاَ يُرْسَل إِلَى الآْبَارِ لِلْخَوْفِ عَلَيْهِ مِنَ السُّقُوطِ.

سَادِسًا: تَخْيِيرُ الإِْمَامِ فِي الأَْسْرَى:
25 - اتَّفَقَ الشَّافِعِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ عَلَى تَخْيِيرِ إِمَامِ الْمُسْلِمِينَ فِي أَسْرَى الْحَرْبِ بَيْنَ خَمْسِ خِصَالٍ: فَإِمَّا أَنْ يَسْتَرِقَّهُمْ، وَإِمَّا أَنْ يَقْتُلَهُمْ، وَإِمَّا أَنْ يَأْخُذَ الْجِزْيَةَ مِنْهُمْ، وَإِمَّا أَنْ يَطْلُبَ الْفِدْيَةَ مُقَابِل إِعْتَاقِهِمْ سَوَاءٌ بِالْمَال، أَوْ بِمُفَادَاتِهِمْ بِأَسْرَى الْمُسْلِمِينَ الَّذِينَ فِي أَيْدِي الْكُفَّارِ، وَإِمَّا أَنْ يَمُنَّ عَلَيْهِمْ فَيُعْتِقَهُمْ.
وَاسْتَثْنَى الْحَنَفِيَّةُ الْخَصْلَتَيْنِ الأَْخِيرَتَيْنِ، وَهُمَا الْفِدَاءُ وَالْمَنُّ، فَقَالُوا بِعَدَمِ جَوَازِ الْمَنِّ، وَعَدَمِ جَوَازِ الْمُفَادَاةِ بِالْمَال فِي الْمَشْهُورِ مِنَ الْمَذْهَبِ، أَمَّا الْمُفَادَاةُ بِأَسْرَى الْمُسْلِمِينَ فَلاَ يَجُوزُ فِي قَوْلٍ لأَِبِي حَنِيفَةَ،
__________
(1) حديث رافع بن سنان أخرجه أبو داود (2 / 679 - تحقيق عزت عبيد دعاس) وقال ابن المنذر: لا يثبته أهل النقل، وفي إسناده مقال (التلخيص الحبير لابن حجر 4 / 11 - ط شركة الطباعة الفنية)
وَجَائِزٌ فِي قَوْل الصَّاحِبَيْنِ، وَهُوَ قَوْلٌ لأَِبِي حَنِيفَةَ كَذَلِكَ. (1) وَفِي الْمَسْأَلَةِ تَفْصِيلاَتٌ يُرْجَعُ إِلَيْهَا فِي بَحْثِ (أَسْرَى) .
وَدَلِيل جَوَازِ أَخْذِ الْجِزْيَةِ قَوْله تَعَالَى: {حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ} (2) .
وَكَذَلِكَ مَا جَاءَ أَنَّ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَعَل ذَلِكَ فِي أَهْل السَّوَادِ.
26 - وَمَا تَقَدَّمَ مِنْ تَخْيِيرِ الإِْمَامِ فِي الأَْسْرَى مَحَلُّهُ فِي الرِّجَال الْبَالِغِينَ، أَمَّا النِّسَاءُ وَالصِّبْيَانُ فَلاَ خِيَارَ فِيهِمْ، وَلاَ يُحْكَمُ فِيهِمْ إِلاَّ بِالاِسْتِرْقَاقِ، وَحُكْمُهُمْ حُكْمُ سَائِرِ أَمْوَال الْغَنِيمَةِ. كَمَا فِي سَبَايَا هَوَازِنَ وَخَيْبَرَ وَبَنِي الْمُصْطَلِقِ.
وَجَاءَ عَنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ نَهَى عَنْ قَتْل النِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ. (3)
وَعِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ: لِلإِْمَامِ الْخِيَرَةُ فِيهِمْ بَيْنَ الاِسْتِرْقَاقِ وَالْفِدَاءِ (4)
27 - وَتَخْيِيرُ الإِْمَامِ بَيْنَ هَذِهِ الْخِصَال مُقَيَّدٌ بِمَا يَظْهَرُ لَهُ مِنَ الْمَصْلَحَةِ الرَّاجِحَةِ فِي أَحَدِهَا،
__________
(1) فَأَخَذَهَا روضة الطالبين 10 / 250 - 251، والخرشي على خليل 3 / 121، وحاشية الدسوقي 2 / 184، وكشاف القناع 3 / 51 - 54، وفتح القدير 5 / 218 - 221
(2) سورة التوبة / 29
(3) حديث: " نهى عن قتل النساء والولدان " أخرجه البخاري (فتح الباري 6 / 148 - ط السلفية) ومسلم (3 / 1364 - ط عيسى الحلبي) من حديث ابن عمر رضي اله عنهما
(4) المراجع السابقة

الصفحة 76