كتاب الموسوعة الفقهية الكويتية (اسم الجزء: 11)

حَدِيثِ زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ الْجُهَنِيِّ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَال: فَإِنْ جَاءَ صَاحِبُهَا وَإِلاَّ فَشَأْنَكَ بِهَا (1) فَجَعَلَهُ إِلَى اخْتِيَارِهِ، وَلأَِنَّهُ تَمَلُّكٌ بِبَدَلٍ فَاعْتُبِرَ فِيهِ اخْتِيَارُ التَّمَلُّكِ كَالْمِلْكِ بِالْبَيْعِ.
وَإِنَّمَا جَازَ لِلْمُلْتَقِطِ اخْتِيَارُ التَّصَدُّقِ؛ لأَِنَّ فِيهِ إِيصَالاً لِلْحَقِّ إِلَى الْمُسْتَحِقِّ، وَهُوَ وَاجِبٌ بِقَدْرِ الإِْمْكَانِ، فَإِمَّا أَنْ يَكُونَ بِإِيصَال الْعَيْنِ لِصَاحِبِهَا، وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ بِإِيصَال الْعِوَضِ عِنْدَ تَعَذُّرِهِ، وَهُوَ الثَّوَابُ عَلَى اعْتِبَارِ إِجَازَةِ صَاحِبِ اللُّقَطَةِ التَّصَدُّقَ بِهَا. وَلِهَذَا كَانَ لَهُ الْخِيَارُ عِنْدَ ظُهُورِهِ بَيْنَ إِمْضَاءِ الصَّدَقَةِ أَوِ الرُّجُوعِ بِالضَّمَانِ عَلَى الْمُلْتَقِطِ. (2) وَفِي الْمَسْأَلَةِ تَفْصِيلاَتٌ أُخْرَى تُنْظَرُ فِي (لُقَطَةٍ) .

تَاسِعًا: التَّخْيِيرُ فِي كَفَّارَةِ الْيَمِينِ:
32 - اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى التَّخْيِيرِ فِي كَفَّارَةِ الْيَمِينِ بَيْنَ أَرْبَعِ خِصَالٍ: إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ، أَوْ كُسْوَتُهُمْ، أَوْ عِتْقُ رَقَبَةٍ، فَإِنْ لَمْ يَجِدْ مَا يُكَفِّرُ بِهِ مِنْ هَذِهِ الثَّلاَثَةِ - بِأَنْ عَجَزَ عَنِ الإِْطْعَامِ وَالْكُسْوَةِ وَالْعِتْقِ - صَامَ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ.
فَهِيَ كَفَّارَةٌ عَلَى التَّخْيِيرِ فِي الثَّلاَثَةِ الأُْولَى، وَعَلَى التَّرْتِيبِ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْخَصْلَةِ الرَّابِعَةِ. (3)
__________
(1) حديث: " فإن جاء صاحبها " تقدم في التخريج السابق
(2) البناية 6 / 23 - 26
(3) كشاف القناع 6 / 242، وحاشية الدسوقي 2 / 132، 133، وحاشية قليوبي وعميرة 4 / 274، وفتح القدير 4 / 365
وَالأَْصْل فِي التَّخْيِيرِ فِي كَفَّارَةِ الْيَمِينِ قَوْله تَعَالَى: {لاَ يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمُ الأَْيْمَانَ فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ ذَلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ إِذَا حَلَفْتُمْ وَاحْفَظُوا أَيْمَانَكُمْ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} (1) .
وَالْمَقْصُودُ بِالتَّخْيِيرِ فِي كَفَّارَةِ الْيَمِينِ أَنَّ لِلْمُكَفِّرِ أَنْ يَأْتِيَ بِأَيِّ خَصْلَةٍ شَاءَ، وَأَنْ يَنْتَقِل عَنْهَا إِلَى غَيْرِهَا بِحَسَبِ مَا يَرَاهُ وَيَمِيل إِلَيْهِ وَمَا يَرَاهُ الأَْسْهَل فِي حَقِّهِ، فَإِنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى مَا خَيَّرَهُ إِلاَّ لُطْفًا بِهِ.
وَهَذَا مَا يَفْتَرِقُ بِهِ التَّخْيِيرُ فِي كَفَّارَةِ الْيَمِينِ عَنِ التَّخْيِيرِ فِي حَدِّ الْمُحَارِبِ وَالتَّصَرُّفِ بِالأَْسْرَى حَيْثُ قُيِّدَا بِالْمَصْلَحَةِ. (2)

عَاشِرًا: التَّخْيِيرُ بَيْنَ الْقِصَاصِ وَالدِّيَةِ وَالْعَفْوِ:
33 - أَجْمَعَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّ وَلِيَّ الدَّمِ مُخَيَّرٌ فِي الْجِنَايَةِ عَلَى النَّفْسِ بَيْنَ ثَلاَثِ خِصَالٍ: فَإِمَّا أَنْ يَقْتَصَّ مِنَ الْقَاتِل، أَوْ يَعْفُوَ عَنْهُ إِلَى الدِّيَةِ أَوْ بَعْضِهَا، أَوْ أَنْ يُصَالِحَهُ عَلَى مَالٍ مُقَابِل الْعَفْوِ، أَوْ يَعْفُوَ عَنْهُ مُطْلَقًا. (3)
__________
(1) سورة المائدة / 89
(2) الفروق 3 / 16، 17
(3) المغني 7 / 742 - 752، وبدائع الصنائع 7 / 241 و 247، وروضة الطالبين 9 / 239، وكشاف القناع 5 / 542، والبناية 10 / 8، وحاشية الدسوقي 4 / 239

الصفحة 79