كتاب الموسوعة الفقهية الكويتية (اسم الجزء: 11)

عَفْوِ اللَّهِ وَكَرَمِهِ، فَإِنَّهُ هُوَ الْمَوْصُوفُ بِسُبُوغِ الْعَفْوِ وَكَمَال الْكَرَمِ.
وَفَائِدَةُ ذَلِكَ تَظْهَرُ فِيمَا لَوْ تَلاَ آيَةَ سَجْدَةٍ فِي مَكَانٍ فَسَجَدَهَا، ثُمَّ تَلاَهَا فِيهِ مَرَّاتٍ فَإِنَّهُ يَكْفِيهِ تِلْكَ الْوَاقِعَةُ أَوَّلاً؛ إِذْ لَوْ لَمْ يَكُنِ التَّدَاخُل فِي السَّبَبِ لَكَانَتِ التِّلاَوَةُ الَّتِي بَعْدَ السَّجْدَةِ سَبَبًا، وَحُكْمُهُ قَدْ تَقَدَّمَ، وَذَلِكَ لاَ يَجُوزُ.
وَأَمَّا فِي الْعُقُوبَاتِ: فَإِنَّهُ لَوْ زَنَى، ثُمَّ زَنَى ثَانِيَةً قَبْل أَنْ يُحَدَّ الأُْولَى، فَإِنَّ عَلَيْهِ حَدًّا وَاحِدًا، بِخِلاَفِ مَا لَوْ زَنَى فَحُدَّ، ثُمَّ زَنَى فَإِنَّهُ يُحَدُّ ثَانِيًا. (1)
وَذَكَرَ صَاحِبُ الْفُرُوقِ مِنَ الْمَالِكِيَّةِ أَنَّ التَّدَاخُل مَحَلُّهُ الأَْسْبَابُ لاَ الأَْحْكَامُ، وَلَمْ يُفَرِّقْ فِي ذَلِكَ بَيْنَ الطِّهَارَاتِ وَالْعِبَادَاتِ، كَالصَّلاَةِ وَالصِّيَامِ وَالْكَفَّارَاتِ وَالْحُدُودِ وَالأَْمْوَال. بَل ذَكَرَ أَنَّ الْحُدُودَ الْمُتَمَاثِلَةَ إِنِ اخْتَلَفَتْ أَسْبَابُهَا كَالْقَذْفِ وَشُرْبِ الْخَمْرِ، أَوْ تَمَاثَلَتْ كَالزِّنَى مِرَارًا وَالسَّرِقَةِ مِرَارًا وَالشُّرْبِ مِرَارًا قَبْل إِقَامَةِ الْحَدِّ عَلَيْهِ، فَإِنَّهَا مِنْ أَوْلَى الأَْسْبَابِ بِالتَّدَاخُل؛ لأَِنَّ تَكَرُّرَهَا مُهْلِكٌ. (2)
وَيَظْهَرُ مِمَّا ذَكَرَهُ الْحَنَابِلَةُ فِي الطِّهَارَاتِ وَكَفَّارَةِ الصِّيَامِ، فِيمَا لَوْ تَكَرَّرَ مِنْهُ الْجِمَاعُ فِي يَوْمٍ وَاحِدٍ قَبْل
__________
(1) العناية مع فتح القدير ونتائج الأفكار 1 / 390 ط الأميرية، والبحر الرائق 2 / 135 ط العلمية
(2) الفروق للقرافي، الفرق السابع والخمسون 2 / 29 - 30 ط دار المعرفة
التَّكْفِيرِ، وَفِي الْحُدُودِ إِنْ كَانَتْ مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ أَوْ أَجْنَاسٍ أَنَّ التَّدَاخُل عِنْدَهُمْ أَيْضًا إِنَّمَا يَكُونُ فِي الأَْسْبَابِ دُونَ الأَْحْكَامِ. (1)
هَذَا وَيَظْهَرُ مِمَّا ذَكَرَهُ الزَّرْكَشِيُّ فِي الْمَنْثُورِ أَنَّ التَّدَاخُل إِنَّمَا يَكُونُ فِي الأَْحْكَامِ دُونَ الأَْسْبَابِ، وَلاَ فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ الْعِبَادَاتِ وَالْعُقُوبَاتِ وَالإِْتْلاَفَاتِ. (2)

آثَارُ التَّدَاخُل الْفِقْهِيَّةِ وَمَوَاطِنُهُ:
7 - ذَكَرَ الْقَرَافِيُّ فِي الْفُرُوقِ أَنَّ التَّدَاخُل وَقَعَ فِي الشَّرِيعَةِ فِي سِتَّةِ أَبْوَابٍ، وَهِيَ الطِّهَارَاتُ وَالصَّلَوَاتُ وَالصِّيَامُ وَالْكَفَّارَاتُ وَالْحُدُودُ وَالأَْمْوَال. (3)
وَذَكَرَ الزَّرْكَشِيُّ فِي الْمَنْثُورِ أَنَّهُ يَدْخُل فِي ضُرُوبٍ، وَهِيَ: الْعِبَادَاتُ وَالْعُقُوبَاتُ وَالإِْتْلاَفَاتُ. (4)
وَذَكَرَ السُّيُوطِيُّ وَابْنُ نُجَيْمٍ أَنَّهُ إِذَا اجْتَمَعَ أَمْرَانِ مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ، وَلَمْ يَخْتَلِفْ مَقْصُودُهُمَا، دَخَل أَحَدُهُمَا فِي الآْخَرِ غَالِبًا، كَالْحَدَثِ مَعَ الْجَنَابَةِ. (5)
__________
(1) كشاف القناع 1 / 156 و 2 / 326 و 6 / 85 - 87 ط النصر، والمغني 8 / 213 ط الرياض، والإنصاف 3 / 320 ط النصر، والكافي 1 / 61 ط المكتب الإسلامي، ومنتهى الإرادات 1 / 32 ط العروبة
(2) المنثور 1 / 269 - 277 ط الأولى
(3) الفروق للقرافي، الفرق السابع والخمسون 2 / 29 - 30 ط دار المعرفة
(4) المنثور للزركشي 1 / 269 - 277 ط الأولى
(5) الأشباه والنظائر للسيوطي / 126 ط العلمية، والأشباه والنظائر لابن نجيم / 132 ط الهلال

الصفحة 83