كتاب الموسوعة الفقهية الكويتية (اسم الجزء: 12)

ذَوِي الْمُرُوءَةِ إِلاَّ فِي حَدٍّ مِنْ حُدُودِ اللَّهِ (1) وَقَوْلُهُ: أَقِيلُوا ذَوِي الْهَيْئَاتِ عَثَرَاتِهِمْ (2) وَقَوْلُهُ فِي الأَْنْصَارِ: اقْبَلُوا مِنْ مُحْسِنِهِمْ، وَتَجَاوَزُوا عَنْ مُسِيئِهِمْ (3) ، وَقَوْلُهُ لِرَجُلٍ - قَال لَهُ: إِنِّي لَقِيتُ امْرَأَةً فَأَصَبْتُ مِنْهَا دُونَ أَنْ أَطَأَهَا -: أَصَلَّيْتَ مَعَنَا؟ فَرَدَّ عَلَيْهِ بِنَعَمْ، فَتَلاَ قَوْله تَعَالَى {إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ} (4) (5) فَالإِِْمَامُ لَهُ الْعَفْوُ.
وَقِيل: إِنَّهُ لاَ يَجُوزُ الْعَفْوُ إِِذَا تَعَلَّقَ التَّعْزِيرُ بِحَقِّ اللَّهِ تَعَالَى كَمَا فِي تَارِكِ الصَّلاَةِ. وَقَال الإِِْصْطَخْرِيُّ فِي رِسَالَتِهِ: وَمَنْ طَعَنَ عَلَى أَحَدِ الصَّحَابَةِ، وَجَبَ عَلَى السُّلْطَانِ تَأْدِيبُهُ، وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَعْفُوَ عَنْهُ. وَقَال الْبَعْضُ: إِنَّ مَا كَانَ مِنَ
__________
(1) حديث: " تجافوا عن عقوبة. . . " أخرجه الطبراني في المعجم الصغير عن زيد بن ثابت رضي الله عنه مرفوعا. قال الهيثمي: في سنده محمد بن كثير بن مروان الفهري. وهو ضعيف (مجمع الزوائد 6 / 282 ط القدسي) .
(2) حديث: " أقيلوا ذوي الهيئات عثراتهم إلا الحدود. . . " أخرجه أحمد (6 / 181 ط الميمنية) من حديث عائشة رضي الله عنها. وقال عبد الحق: ذكره ابن عدي في باب واصل بن عبد الرحمن الرقاشي ولم يذكر علة. قال الحافظ: وواصل هو أبو حرة ضعيف. وفي إسناد ابن حبان: أبو بكر بن نافع، وقد نص أبو زرعة على ضعفه في هذا الحديث (نيل الأوطار 7 / 143 - 144) .
(3) حديث: " اقبلوا من محسنهم وتجاوزوا عن مسيئهم. . . " تقدم تخريجه ف / 10.
(4) سورة هود / 114.
(5) حديث: " أصليت معنا؟ " تقدم تخريجه ف / 10.
التَّعْزِيرِ مَنْصُوصًا عَلَيْهِ كَوَطْءِ جَارِيَةِ امْرَأَتِهِ، أَوْ جَارِيَةٍ مُشْتَرَكَةٍ، يَجِبُ امْتِثَال الأَْمْرِ فِيهِ، فَهُنَا لاَ يَجُوزُ الْعَفْوُ عِنْدَهُمْ، بَل يَجِبُ التَّعْزِيرُ، لاِمْتِنَاعِ تَطْبِيقِ الْحَدِّ.
وَقَال الْبَعْضُ: إِنَّ الْعَفْوَ يَكُونُ لِمَنْ كَانَتْ مِنْهُ الْفَلْتَةُ وَالزَّلَّةُ، وَفِي أَهْل الشَّرَفِ وَالْعَفَافِ، وَعَلَى ذَلِكَ: فَشَخْصُ الْجَانِي لَهُ اعْتِبَارٌ فِي الْعَفْوِ.
وَإِِذَا كَانَ التَّعْزِيرُ لِحَقِّ آدَمِيٍّ فَقَدْ قِيل كَذَلِكَ: إِنَّ لِوَلِيِّ الأَْمْرِ تَرْكَهُ، وَالْعَفْوَ عَنْهُ، حَتَّى وَلَوْ طَلَبَهُ صَاحِبُ الْحَقِّ فِيهِ، شَأْنُهُ فِي ذَلِكَ شَأْنُ التَّعْزِيرِ الَّذِي هُوَ حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى. وَقِيل: لاَ يَجُوزُ تَرْكُهُ عِنْدَ طَلَبِهِ، مِثْل الْقِصَاصِ، فَلَيْسَ لِوَلِيِّ الأَْمْرِ هُنَا تَرْكُهُ بِعَفْوٍ أَوْ نَحْوِهِ، وَعَلَى ذَلِكَ أَغْلَبُ الْفُقَهَاءِ.
وَإِِذَا عَفَا وَلِيُّ الأَْمْرِ عَنِ التَّعْزِيرِ فِيمَا يَمَسُّ الْمَصْلَحَةَ الْعَامَّةَ، وَكَانَ قَدْ تَعَلَّقَ بِالتَّعْزِيرِ حَقُّ آدَمِيٍّ كَالشَّتْمِ، فَلاَ يَسْقُطُ حَقُّ الآْدَمِيِّ، فَعَلَى وَلِيِّ الأَْمْرِ الاِسْتِيفَاءُ؛ لأَِنَّ الإِِْمَامَ لَيْسَ لَهُ - عَلَى الرَّاجِحِ - الْعَفْوُ عَنْ حَقِّ الْفَرْدِ.
وَإِِذَا عَفَا الآْدَمِيُّ عَنْ حَقِّهِ فَإِِنَّ عَفْوَهُ يَجُوزُ، وَلَكِنْ لاَ يَمَسُّ هَذَا حَقَّ السُّلْطَةِ. وَقَدْ فَرَّقَ الْمَاوَرْدِيُّ فِي هَذَا الْمَجَال بَيْنَ حَالَتَيْنِ:
أ - إِِذَا حَصَل عَفْوُ الآْدَمِيِّ قَبْل التَّرَافُعِ، فَلِوَلِيِّ الأَْمْرِ الْخِيَارُ بَيْنَ التَّعْزِيرِ أَوِ الْعَفْوِ.

الصفحة 285