كتاب الموسوعة الفقهية الكويتية (اسم الجزء: 12)

أَوِ الْعُلْوِ: بِأَنْ قَال لَهُ: بِعْتُكَ حَقَّ الْبِنَاءِ أَوِ الْعُلْوِ لِلْبِنَاءِ عَلَيْهِ بِثَمَنٍ مَعْلُومٍ، بِخِلاَفِ مَا إِِذَا بَاعَهُ وَشَرَطَ أَنْ لاَ يَبْنِيَ عَلَيْهِ، أَوْ لَمْ يَتَعَرَّضْ لِلْبِنَاءِ عَلَيْهِ. لَكِنْ لِلْمُشْتَرِي أَنْ يَنْتَفِعَ بِمَا عَدَا الْبِنَاءَ مِنْ مُكْثٍ وَغَيْرِهِ، كَمَا صَرَّحَ بِهِ السُّبْكِيُّ، تَبَعًا لِلْمَاوَرْدِيِّ.
وَأَجَازَهُ الْحَنَابِلَةُ، وَلَوْ قَبْل بِنَاءِ الْبَيْتِ الَّذِي اشْتَرَى عُلْوَهُ، إِِذَا وَصَفَ الْعُلْوَ وَالسُّفْل لِيَكُونَا مَعْلُومَيْنِ، لِيَبْنِيَ الْمُشْتَرِي أَوْ يَضَعُ عَلَيْهِ بُنْيَانًا أَوْ خَشَبًا مَوْصُوفَيْنِ، وَإِِنَّمَا صَحَّ ذَلِكَ لأَِنَّ الْعُلْوَ مِلْكٌ لِلْبَائِعِ، فَكَانَ لَهُ بَيْعُهُ، وَالاِعْتِيَاضُ عَنْهُ، كَالْقَرَارِ (1) .
وَأَمَّا الْحَنَفِيَّةُ: فَقَدْ ذَهَبُوا إِِلَى أَنَّ بَيْعَ حَقِّ التَّعَلِّي غَيْرُ جَائِزٍ، لأَِنَّهُ لَيْسَ بِمَالٍ، وَلاَ هُوَ حَقٌّ مُتَعَلِّقٌ بِالْمَال، بَل حَقٌّ مُتَعَلِّقٌ بِالْهَوَاءِ (أَيِ الْفَرَاغِ) وَلَيْسَ الْهَوَاءُ مَا لاَ يُبَاعُ، إِذِ الْمَال مَا يُمْكِنُ قَبْضُهُ وَإِِحْرَازُهُ. وَصُورَتُهُ: أَنْ يَكُونَ السُّفْل لِرَجُلٍ، وَعُلْوُهُ لآِخَرَ، فَسَقَطَا أَوْ سَقَطَ الْعُلْوُ وَحْدَهُ فَبَاعَ صَاحِبُ الْعُلْوِ عُلْوَهُ، فَإِِنَّهُ لاَ يَجُوزُ؛ لأَِنَّ الْمَبِيعَ حِينَئِذٍ لَيْسَ إِلاَّ حَقُّ التَّعَلِّي.
وَعَلَى هَذَا: فَلَوْ بَاعَ الْعُلْوَ قَبْل سُقُوطِهِ جَازَ، فَإِِنْ سَقَطَ قَبْل الْقَبْضِ بَطَل الْبَيْعُ، لِهَلاَكِ الْمَبِيعِ
__________
(1) جواهر الإكليل 2 / 6، والشرح الكبير وحاشية الدسوقي عليه 3 / 14، وشرح الزرقاني على مختصر خليل 5 / 22، وأسنى المطالب شرح روض الطالب 2 / 255، وحاشية الجمل على شرح المنهج 3 / 364، ومطالب أولي النهى 3 / 350 منشورات المكتب الإسلامي بدمشق.
قَبْل الْقَبْضِ، وَهُوَ بَعْدَ سُقُوطِهِ بَيْعٌ لِحَقِّ التَّعَلِّي، وَهُوَ لَيْسَ بِمَالٍ. فَلَوْ كَانَ الْعُلْوُ لِصَاحِبِ السُّفْل فَقَال: بِعْتُك عُلْوَ هَذَا السُّفْل بِكَذَا صَحَّ، وَيَكُونُ سَطْحُ السُّفْل لِصَاحِبِ السُّفْل، وَلِلْمُشْتَرِي حَقُّ الْقَرَارِ، حَتَّى لَوِ انْهَدَمَ الْعُلْوُ كَانَ لَهُ أَنْ يَبْنِيَ عَلَيْهِ عُلْوًا آخَرَ، مِثْل الأَْوَّل؛ لأَِنَّ السُّفْل اسْمٌ لِمَبْنًى مُسَقَّفٍ، فَكَانَ سَطْحُ السُّفْل سَقْفًا لِلسُّفْل (1) .

أَحْكَامُ الْعُلْوِ وَالسُّفْل فِي الاِنْهِدَامِ وَالْبِنَاءِ:
3 - ذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ: إِِلَى أَنَّ السُّفْل إِنِ انْهَدَمَ بِنَفْسِهِ بِلاَ صُنْعِ صَاحِبِهِ لَمْ يُجْبَرْ عَلَى الْبِنَاءِ، لِعَدَمِ التَّعَدِّي، فَلَوْ هَدَمَهُ يُجْبَرُ عَلَى بِنَائِهِ؛ لأَِنَّهُ تَعَدَّى عَلَى صَاحِبِ الْعُلْوِ، وَهُوَ قَرَارُ الْعُلْوِ، وَلِذِي الْعُلْوِ أَنْ يَبْنِيَ السُّفْل ثُمَّ يَرْجِعَ بِمَا أَنْفَقَ إِنْ بَنَى بِإِِذْنِهِ أَوْ إِذْنِ قَاضٍ، وَإِِلاَّ فَبِقِيمَةِ الْبِنَاءِ يَوْمَ بَنَى.
وَمَتَى بَنَى صَاحِبُ الْعُلْوِ السُّفْل: كَانَ لَهُ أَنْ يَمْنَعَ صَاحِبَ السُّفْل مِنَ السُّكْنَى، حَتَّى يَدْفَعَ إِلَيْهِ مِثْل مَا أَنْفَقَهُ فِي بِنَاءِ سُفْلِهِ لِكَوْنِهِ مُضْطَرًّا.
فَلِكُلٍّ مِنْهُمَا حَقٌّ فِي مِلْكِ الآْخَرِ: لِذِي الْعُلْوِ حَقُّ قَرَارِهِ، وَلِذِي السُّفْل حَقُّ دَفْعِ الْمَطَرِ وَالشَّمْسِ عَنِ السُّفْل، وَلَوْ هَدَمَ ذُو السُّفْل سُفْلَهُ وَذُو الْعُلْوِ عُلْوَهُ، أُلْزِمَ ذُو السُّفْل بِبِنَاءِ سُفْلِهِ، إِذْ
__________
(1) الهداية وفتح القدير والكفاية والعناية بالهامش 6 / 64 - 66 دار إحياء التراث العربي، وحاشية ابن عابدين 4 / 101.

الصفحة 293