كتاب الموسوعة الفقهية الكويتية (اسم الجزء: 12)

يَنْقُضَ مَا بَنَاهُ مِنَ الْحِيطَانِ؛ لأَِنَّهُ لاَ حَقَّ لِغَيْرِهِ فِيهَا، فَإِِنْ بَذَل صَاحِبُ السُّفْل الْقِيمَةَ لِيَتْرُكَ نَقْضَهَا لَمْ يَلْزَمْهُ قَبُولُهَا؛ لأَِنَّهُ لاَ يَلْزَمُهُ بِنَاؤُهَا قَوْلاً وَاحِدًا، فَلاَ يَلْزَمُهُ تَبْقِيَتُهَا بِبَذْل الْعِوَضِ (1) .
6 - وَعِنْدَ الْحَنَابِلَةِ: إِنْ كَانَ السُّفْل لِرَجُلٍ وَالْعُلْوُ لآِخَرَ، فَانْهَدَمَ السَّقْفُ الَّذِي بَيْنَهُمَا، فَطَلَبَ أَحَدُهُمَا الْمُبَانَاةَ مِنَ الآْخَرِ، فَامْتَنَعَ، فَهَل يُجْبَرُ الْمُمْتَنِعُ عَلَى ذَلِكَ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ. كَالْحَائِطِ بَيْنَ الْبَيْتَيْنِ.
وَإِِنِ انْهَدَمَتْ حِيطَانُ السُّفْل فَطَالَبَهُ صَاحِبُ الْعُلْوِ بِإِِعَادَتِهَا، فَعَلَى رِوَايَتَيْنِ:
إِحْدَاهُمَا: يُجْبَرُ. فَعَلَى هَذِهِ الرِّوَايَةِ يُجْبَرُ عَلَى الْبِنَاءِ وَحْدَهُ؛ لأَِنَّهُ مِلْكُهُ خَاصَّةً.
وَالثَّانِيَةُ: لاَ يُجْبَرُ، وَإِِنْ أَرَادَ صَاحِبُ الْعُلْوِ بِنَاءَهُ لَمْ يُمْنَعْ مِنْ ذَلِكَ عَلَى الرِّوَايَتَيْنِ جَمِيعًا، فَإِِنْ بَنَاهُ بِآلَتِهِ فَهُوَ عَلَى مَا كَانَ، وَإِِنْ بَنَاهُ بِآلَةٍ مِنْ عِنْدِهِ فَقَدْ رُوِيَ عَنْ أَحْمَدَ: لاَ يَنْتَفِعُ بِهِ صَاحِبُ السُّفْل، يَعْنِي حَتَّى يُؤَدِّيَ الْقِيمَةَ، فَيُحْتَمَل أَنْ لاَ يَسْكُنَ، لأَِنَّ الْبَيْتَ إِنَّمَا يُبْنَى لِلسَّكَنِ فَلَمْ يَمْلِكْهُ كَغَيْرِهِ، وَيُحْتَمَل أَنَّهُ أَرَادَ الاِنْتِفَاعَ بِالْحِيطَانِ خَاصَّةً مِنْ طَرْحِ الْخَشَبِ وَسَمْرِ الْوَتَدِ وَفَتْحِ الطَّاقِ، وَيَكُونُ لَهُ السُّكْنَى مِنْ غَيْرِ تَصَرُّفٍ فِي مِلْكِ غَيْرِهِ؛ لأَِنَّ السُّكْنَى إِنَّمَا هِيَ
__________
(1) المهذب في فقه الإمام الشافعي 1 / 344، وشرح روض الطالب من أسنى المطالب 2 / 224، 225 المكتبة الإسلامية.
إِقَامَتُهُ فِي الْفِنَاءِ بَيْنَ الْحِيطَانِ مِنْ غَيْرِ تَصَرُّفٍ فِيهَا، فَأَشْبَهَ الاِسْتِظْلاَل بِهَا مِنْ خَارِجٍ.
فَأَمَّا إِنْ طَالَبَ صَاحِبُ السُّفْل بِالْبِنَاءِ، وَأَبَى صَاحِبُ الْعُلْوِ، فَفِيهِ رِوَايَتَانِ:
إِحْدَاهُمَا: لاَ يُجْبَرُ عَلَى بِنَائِهِ، وَلاَ مُسَاعَدَتِهِ لأَِنَّ الْحَائِطَ مِلْكُ صَاحِبِ السُّفْل مُخْتَصٌّ بِهِ، فَلَمْ يُجْبَرْ غَيْرُهُ عَلَى بِنَائِهِ وَلاَ الْمُسَاعَدَةِ فِيهِ، كَمَا لَوْ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ عُلْوٌ.
وَالثَّانِيَةُ: يُجْبَرُ عَلَى مُسَاعَدَتِهِ وَالْبِنَاءِ مَعَهُ، وَهُوَ قَوْل أَبِي الدَّرْدَاءِ؛ لأَِنَّهُ حَائِطٌ يَشْتَرِكَانِ فِي الاِنْتِفَاعِ بِهِ، أَشْبَهَ الْحَائِطَ بَيْنَ الدَّارَيْنِ (1) .

جَعْل عُلْوِ الدَّارِ مَسْجِدًا:
7 - أَجَازَ الشَّافِعِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ جَعْل عُلْوِ الدَّارِ مَسْجِدًا، دُونَ سُفْلِهَا، وَالْعَكْسُ؛ لأَِنَّهُمَا عَيْنَانِ يَجُوزُ وَقْفُهُمَا، فَجَازَ وَقْفُ أَحَدِهِمَا دُونَ الآْخَرِ، كَالْعَبْدَيْنِ (2) .
وَمَنْ جَعَل مَسْجِدًا تَحْتَهُ سِرْدَابٌ أَوْ فَوْقَهُ بَيْتٌ، وَجَعَل بَابَ الْمَسْجِدِ إِِلَى الطَّرِيقِ، وَعَزْلُهُ عَنْ مِلْكِهِ، فَلاَ يَكُونُ مَسْجِدًا، فَلَهُ أَنْ يَبِيعَهُ، وَإِِنْ مَاتَ يُورَثُ عَنْهُ لأَِنَّهُ لَمْ يَخْلُصْ لِلَّهِ تَعَالَى، لِبَقَاءِ حَقِّ الْعَبْدِ مُتَعَلِّقًا بِهِ وَلَوْ كَانَ السِّرْدَابُ
__________
(1) المغني لابن قدامة 4 / 568 ط الرياض.
(2) المهذب في فقه الإمام الشافعي 1 / 448 ط دار المعرفة، ومواهب الجليل لشرح مختصر خليل 6 / 19 ط النجاح ليبيا، والمغني لابن قدامة 5 / 607 ط الرياض، وكشاف القناع 4 / 241 ط النصر الحديثة.

الصفحة 295