كتاب الموسوعة الفقهية الكويتية (اسم الجزء: 12)

الْفِعْل، فَتُقَدَّرُ بِهِ وَيَقَعُ الطَّلاَقُ. (1)
12 - وَمِثْل مَتَى فِي الْحُكْمِ (مَتَى مَا) فَكُل مَا قِيل فِي مَتَى يُقَال أَيْضًا فِي (مَتَى مَا) ، فَحُكْمُهَا فِي الشَّرْطِ كَحُكْمِ مَتَى بَل أَوْلَى؛ لأَِنَّ اقْتِرَانَ (مَا) بِهَا يَجْعَلُهَا لِلْجَزَاءِ الْمَحْضِ دُونَ غَيْرِهِ كَالاِسْتِفْهَامِ. (2)

د - مَنْ:
13 - وَهِيَ اسْمٌ بِاتِّفَاقٍ وُضِعَ لِلدَّلاَلَةِ عَلَى مَنْ يَعْقِل، ثُمَّ ضُمِّنَ مَعْنَى الشَّرْطِ. (3) وَهِيَ مِنْ صِيَغِ الْعُمُومِ بِوَضْعِ اللُّغَةِ، وَهِيَ تَعُمُّ بِنَفْسِهَا مِنْ غَيْرِ احْتِيَاجٍ إِِلَى قَرِينَةٍ، وَهِيَ كَمَا قَال الْبَيْضَاوِيُّ عَامَّةٌ فِي الْعَالِمِينَ أَيْ: أُولِي الْعِلْمِ، لِتَشْمَل الْعُقَلاَءَ وَالذَّاتَ الإِِْلَهِيَّةَ، لأَِنَّ (مَنْ) تُطْلَقُ عَلَى اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى {وَمَنْ لَسْتُمْ لَهُ بِرَازِقِينَ} (4) وَاللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى يُوصَفُ بِالْعِلْمِ وَلاَ يُوصَفُ بِالْعَقْل، وَهُوَ مَعْنًى حَسَنٌ غَفَل عَنْهُ الشَّارِحُونَ، كَمَا قَال الإِِْسْنَوِيُّ (5) .
قَال عَبْدُ الْعَزِيزِ الْبُخَارِيُّ فِي كَشْفُ الأَْسْرَارِ شَرْحُ أُصُول الْبَزْدَوِيِّ مَا نَصُّهُ: وَمَنْ وَمَا يَدْخُلاَنِ
__________
(1) المغني 7 / 193، ونهاية المحتاج 7 / 22.
(2) كشف الأسرار وأصول السرخسي 1 / 233، والروضة 8 / 128.
(3) التصريح على التوضيح 2 / 248 ط الحلبي.
(4) سورة الحجر / 20.
(5) الأسنوي مع شرح البدخشي 2 / 65، 66 ط صبيح.
فِي هَذَا الْبَابِ أَيْ بَابِ الشَّرْطِ، لإِِِبْهَامِهَا، فَإِِنَّ كُل وَاحِدٍ مِنْهُمَا لاَ يَتَنَاوَل عَيْنًا. وَتَحْقِيقُهُ: أَنَّ (مَنْ وَمَا) لإِِِبْهَامِهِمَا دَخَلاَ فِي بَابِ الْعُمُومِ، فَلَمَّا كَانَ الْعُمُومُ فِي الشَّرْطِ مَقْصُودًا لِلْمُتَكَلِّمِ، وَتَخْصِيصُ كُل وَاحِدٍ مِنَ الأَْفْرَادِ بِالذِّكْرِ مُتَعَسِّرٌ أَوْ مُتَعَذِّرٌ وَ (مَنْ وَمَا) يُؤَدِّيَانِ هَذَا الْمَعْنَى مَعَ الإِِْيجَازِ وَحُصُول الْمَقْصُودِ، نَابَا مَنَابَ إِنْ، فَقِيل: مَنْ يَأْتِ أُكْرِمْهُ، وَمَا تَصْنَعْ أَصْنَعْ. وَالْمَسَائِل فِيهِمَا كَثِيرَةٌ مِثْل قَوْلِهِ: مَنْ دَخَل هَذَا الْحِصْنَ فَلَهُ رَأْسٌ، وَمَنْ دَخَل مِنْكُمْ الدَّارَ فَهُوَ حُرٌّ. وَأَمَّا إِِذَا كَانَ لِلشَّرْطِ فَهُوَ اسْمٌ بِمَعْنَى أَيْ: تَقُول: مَا تَصْنَعْ أَصْنَعْ. (1) وَفِي التَّنْزِيل. {مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْهَا أَوْ مِثْلِهَا} (2) {مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلاَ مُمْسِكَ لَهَا} (3) .
14 - وَأَمَّا (مَا) الْمَصْدَرِيَّةُ، فَإِِنَّهَا تُسْتَعْمَل فِي الْفِقْهِ، وَيُقَيَّدُ بِهَا التَّصَرُّفُ تَقْيِيدَ إِضَافَةٍ لاَ تَعْلِيقٍ، كَمَا جَاءَ فِي الْبَحْرِ الرَّائِقِ وَفَتْحِ الْقَدِيرِ؛ لأَِنَّهَا تَنُوبُ عَنْ ظَرْفِ الزَّمَانِ، كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى: {وَأَوْصَانِي بِالصَّلاَةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيًّا} (4) أَيْ مُدَّةَ دَوَامِي حَيًّا.
وَعَلَى هَذَا لَوْ قَال: أَنْتِ طَالِقٌ مَا لَمْ أُطَلِّقْكِ، وَسَكَتَ، وَقَعَ الطَّلاَقُ اتِّفَاقًا بِسُكُوتِهِ؛ لأَِنَّهُ
__________
(1) كشف الأسرار للبزدوي 2 / 196.
(2) سورة البقرة / 106.
(3) سورة فاطر / 2.
(4) سورة مريم / 31.

الصفحة 304