كتاب الموسوعة الفقهية الكويتية (اسم الجزء: 12)

وَمُفَوِّضًا لِلصِّفَةِ إِِلَى مَشِيئَتِهَا، بِقَوْلِهِ: كَيْفَ شِئْتِ. إِلاَّ أَنَّ فِي غَيْرِ الْمَدْخُول بِهَا لاَ مَشِيئَةَ لَهَا فِي الصِّفَةِ بَعْدَ إِيقَاعِ الأَْصْل، فَيَلْغُوَ تَفْوِيضُهُ الصِّفَةَ إِِلَى مَشِيئَتِهَا بَعْدَ إِيقَاعِ الأَْصْل، وَفِي الْمَدْخُول بِهَا، لَهَا الْمَشِيئَةُ فِي الصِّفَةِ بَعْدَ وُقُوعِ الأَْصْل، بِأَنْ تَجْعَلَهُ بَائِنًا أَوْ ثَلاَثًا عَلَى مَا عُرِفَ، فَيَصِحُّ تَفْوِيضُهُ إِلَيْهَا.
وَأَمَّا عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ: فَلاَ يَقَعُ عَلَيْهَا شَيْءٌ مَا لَمْ تَشَأْ، فَإِِذَا شَاءَتْ فَالتَّفْرِيعُ كَمَا قَال أَبُو حَنِيفَةَ؛ لأَِنَّهُ جَعَل الطَّلاَقَ مُفَوَّضًا إِِلَى مَشِيئَتِهَا فَلاَ يَقَعُ بِدُونِ تِلْكَ الْمَشِيئَةِ، كَقَوْلِهِ: أَنْتِ طَالِقٌ إِنْ شِئْتِ، أَوْ كَمْ شِئْتِ، أَوْ حَيْثُ شِئْتِ، لاَ يَقَعُ شَيْءٌ مَا لَمْ تَشَأْ، وَهَذَا لأَِنَّهُ لَمَّا فَوَّضَ وَصْفَ الطَّلاَقِ إِلَيْهَا يَكُونُ ذَلِكَ تَفْوِيضًا لِنَفْسِ الطَّلاَقِ إِلَيْهَا ضَرُورَةَ أَنَّ الْوَصْفَ لاَ يَنْفَكُّ عَنِ الأَْصْل. (1)
وَلَمْ نَطَّلِعْ لِلْمَالِكِيَّةِ عَلَى كَلاَمٍ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ. (&# x662 ;)
وَأَمَّا الشَّافِعِيَّةُ: فَلَهُمْ رَأْيَانِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ. فَقَدْ ذَكَرَ الْبَغَوِيُّ أَنَّهُ لَوْ قَال: أَنْتِ طَالِقٌ كَيْفَ شِئْتِ، قَال أَبُو زَيْدٍ وَالْقَفَّال: تَطْلُقُ شَاءَتْ أَمْ لَمْ تَشَأْ. وَقَال الشَّيْخُ أَبُو عَلِيٍّ: لاَ تَطْلُقُ حَتَّى تُوجَدَ
__________
(1) كشف الأسرار وأصول البزدوي 2 / 200 - 201، وبدائع الصنائع 3 / 121، 122.
(2) الدسوقي 2 / 361 - 415، وجواهر الإكليل 1 / 337 - 362.
مَشِيئَةٌ فِي الْمَجْلِسِ بِالإِِْيقَاعِ أَوْ عَدَمِهِ.
وَأَمَّا الْحَنَابِلَةُ: فَإِِنَّهُمْ لَمْ يُفَرِّقُوا فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ بَيْنَ (كَيْفَ) وَبَيْنَ غَيْرِهَا مِنْ أَدَوَاتِ التَّعْلِيقِ، فَالطَّلاَقُ عِنْدَهُمْ لاَ يَقَعُ حَتَّى تُعْرَفَ مَشِيئَتُهَا بِقَوْلِهَا، فَقَدْ جَاءَ فِي كَشَّافِ الْقِنَاعِ أَنَّهُ لَوْ قَال: أَنْتِ طَالِقٌ إِنْ شِئْتِ أَوْ إِِذَا شِئْتِ، أَوْ مَتَى شِئْتِ، أَوْ كَيْفَ شِئْتِ. . إِلَخْ لَمْ تَطْلُقْ حَتَّى تَقُول: قَدْ شِئْتُ؛ لأَِنَّ مَا فِي الْقَلْبِ لاَ يُعْلَمُ حَتَّى يُعَبِّرَ عَنْهُ اللِّسَانُ. (1)

ي - حَيْثُ، وَأَيْنَ:
25 - (حَيْثُ) اسْمٌ لِلْمَكَانِ الْمُبْهَمِ.
قَال الأَْخْفَشُ: وَقَدْ تَكُونُ لِلزَّمَانِ. (وَحَيْثُ) مِنْ صِيَغِ التَّعْلِيقِ، لِشَبَهِهَا (بِإِِنْ) فِي الإِِْبْهَامِ، وَتَعْلِيقُ التَّصَرُّفِ بِهَا لاَ يَتَعَدَّى مَجْلِسَ التَّخَاطُبِ تَشْبِيهًا لَهَا بِ (إِنْ) أَيْضًا، فَإِِنَّ تَعْلِيقَ الطَّلاَقِ مَثَلاً بِمَشِيئَةِ الْمَرْأَةِ بِ (إِنْ) لاَ يَتَعَدَّى مَجْلِسَ التَّخَاطُبِ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ. (2)
فَلَوْ قَال لاِمْرَأَتِهِ: أَنْتِ طَالِقٌ حَيْثُ شِئْتِ، فَإِِنَّهَا لاَ تَطْلُقُ قَبْل الْمَشِيئَةِ، وَتَتَوَقَّفُ مَشِيئَتُهَا عَلَى الْمَجْلِسِ؛ لأَِنَّ (حَيْثُ) مِنْ ظُرُوفِ الْمَكَانِ، وَلاَ اتِّصَال لِلطَّلاَقِ بِالْمَكَانِ، فَيَلْغُوَ ذِكْرُهُ، وَيَبْقَى
__________
(1) الروضة 8 / 159، وكشاف القناع 5 / 309.
(2) انظر تفصيل ذلك كله في مغني اللبيب 1 / 140، 141، والفتاوى الهندية 1 / 402.

الصفحة 309