كتاب الموسوعة الفقهية الكويتية (اسم الجزء: 12)
{إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ} (1) .
وَقَدْ ذَمَّ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى الَّذِينَ فَعَلُوا ذَلِكَ، وَتَوَعَّدَهُمْ بِالْعَذَابِ الْعَظِيمِ، وَذَلِكَ فِي الآْيَاتِ الَّتِي نَزَلَتْ فِي شَأْنِ السَّيِّدَةِ عَائِشَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا حِينَ رَمَاهَا أَهْل الإِِْفْكِ وَالْبُهْتَانِ بِمَا قَالُوهُ مِنَ الْكَذِبِ وَالاِفْتِرَاءِ، وَهِيَ قَوْله تَعَالَى: {إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالإِِْفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ. . .} (2)
وَقَال ابْنُ كَثِيرٍ فِي قَوْله تَعَالَى: {وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِِثْمًا مُبِينًا} (3) أَيْ يَنْسُبُونَ إِلَيْهِمْ مَا هُمْ بُرَآءُ مِنْهُ لَمْ يَعْمَلُوهُ وَلَمْ يَفْعَلُوهُ، يَحْكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ ذَلِكَ عَلَى سَبِيل الْعَيْبِ وَالتَّنَقُّصِ مِنْهُمْ، وَقَدْ قَال رَسُول اللَّهِ فِيهِ: أَرْبَى الرِّبَا عِنْدَ اللَّهِ اسْتِحْلاَل عِرْضِ امْرِئٍ مُسْلِمٍ ثُمَّ قَرَأَ: {وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ} (4) وَقَدْ قِيل فِي مَعْنَى قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَنْ
__________
(1) حديث: " أيما رجل أشاع على رجل مسلم كلمة. . . . " أخرجه الطبراني بلفظ مقارب وإسناده جيد كما في الترغيب والترهيب للمنذري (5 / 157 ط التجارية) .
(2) سورة النور / 11، وانظر الجامع لأحكام القرآن 12 / 206، ومختصر تفسير ابن كثير 2 / 591، 592. وحديث الإفك. أخرجه البخاري (8 / 452 ط. السلفية) ، ومسلم (4 / 2129 ط. عيسى الحلبي) .
(3) سورة الأحزاب / 58.
(4) حديث: " أربى الربا عند الله استحلال. . . ". أخرجه أبو يعلى بهذا اللفظ، ورواته رواة الصحيح كما قال المنذري في الترغيب والترهيب (3 / 504 ط مصطفى الحلبي) ، ورواه أبو داود (5 / 193 ط عزت عبيد الدعاس) ، وأحمد (1 / 190 المكتب الإسلامي) بلفظ مقارب، وحسن إسناده السيوطي (فيض القدير 2 / 531) .
سَمَّعَ سَمَّعَ اللَّهُ بِهِ (1) أَيْ مَنْ سَمَّعَ بِعُيُوبِ النَّاسِ وَأَذَاعَهَا أَظْهَرَ اللَّهُ عُيُوبَهُ.
وَمِنْ ذَلِكَ: الْهَجْوُ بِالشِّعْرِ. قَال ابْنُ قُدَامَةَ: مَا كَانَ مِنَ الشِّعْرِ يَتَضَمَّنُ هَجْوَ الْمُسْلِمِينَ وَالْقَدْحَ فِي، أَعْرَاضِهِمْ فَهُوَ مُحَرَّمٌ عَلَى قَائِلِهِ. (2)
ب - إِِذَا كَانَ الْمُشَهَّرُ بِهِ يَتَّصِفُ بِمَا يُقَال عَنْهُ، وَلَكِنَّهُ لاَ يُجَاهِرُ بِهِ، وَلاَ يَقَعُ بِهِ ضَرَرٌ عَلَى غَيْرِهِ.
فَالتَّشْهِيرُ بِهِ حَرَامٌ أَيْضًا؛ لأَِنَّهُ يُعْتَبَرُ مِنَ الْغِيبَةِ الَّتِي نَهَى اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَنْهَا فِي قَوْلِهِ: {وَلاَ يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا} (3) . وَقَدْ رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَال: أَتَدْرُونَ مَا الْغِيبَةُ؟ قَالُوا: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ. قَال: ذِكْرُكَ أَخَاكَ بِمَا يَكْرَهُ. قِيل: أَفَرَأَيْتَ إِنْ كَانَ فِي أَخِي مَا أَقُول؟ قَال: إِنْ كَانَ فِيهِ مَا تَقُول فَقَدِ اغْتَبْتَهُ، وَإِِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ مَا تَقُول فَقَدْ بَهَتَّهُ. (4)
__________
(1) مختصر تفسير ابن كثير 3 / 114، وفتح الباري 11 / 337. وحديث: " من سمع سمع الله به " أخرجه البخاري (فتح الباري 13 / 128 ط. السلفية) ، ومسلم (4 / 2289 ط. عيسى الحلبي) .
(2) المغني 9 / 178، ومغني المحتاج 4 / 431.
(3) سورة الحجرات / 12.
(4) حديث: " أتدرون ما الغيبة؟ . . . " أخرجه مسلم (4 / 2001 ط. عيسى الحلبي) .
الصفحة 41