كتاب الموسوعة الفقهية الكويتية (اسم الجزء: 12)
وَمِنْ ذَلِكَ: قَوْل الْعَالِمِ: قَال فُلاَنٌ كَذَا مُرِيدًا التَّشْنِيعَ عَلَيْهِ. أَوْ قَوْل الإِِْنْسَانِ: فَعَل كَذَا بَعْضُ النَّاسِ، أَوْ بَعْضُ مَنْ يَدَّعِي الْعِلْمَ، أَوْ بَعْضُ مَنْ يُنْسَبُ إِِلَى الصَّلاَحِ وَالزُّهْدِ، أَوْ نَحْوُ ذَلِكَ إِِذَا كَانَ الْمُخَاطَبُ يَفْهَمُهُ بِعَيْنِهِ، وَنَحْوُ ذَلِكَ.
وَمِنَ الْمُقَرَّرِ شَرْعًا: أَنَّ السَّتْرَ عَلَى الْمُسْلِمِ وَاجِبٌ لِمَنْ لَيْسَ مَعْرُوفًا بِالأَْذَى وَالْفَسَادِ. فَقَدْ قَال النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَنْ سَتَرَ مُسْلِمًا سَتَرَهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَل يَوْمَ الْقِيَامَةِ (1) قَال فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ: وَهَذَا السَّتْرُ فِي غَيْرِ الْمُشْتَهِرِينَ. وَقَال ابْنُ الْعَرَبِيِّ: إِِذَا رَأَيْتَ إِنْسَانًا عَلَى مَعْصِيَةٍ فَعِظْهُ فِيمَا بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ. وَلاَ تَفْضَحْهُ. (2)
ج - وَيَحْرُمُ كَذَلِكَ تَشْهِيرُ الإِِْنْسَانِ بِنَفْسِهِ؛ إِذْ الْمُسْلِمُ مُطَالَبٌ بِالسَّتْرِ عَلَى نَفْسِهِ. فَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَال: سَمِعْتُ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُول: كُل أُمَّتِي مُعَافًى إِلاَّ الْمُجَاهِرِينَ، وَإِِنَّ مِنَ الإِِْجْهَارِ أَنْ يَعْمَل الْعَبْدُ بِاللَّيْل عَمَلاً، ثُمَّ يُصْبِحُ وَقَدْ سَتَرَهُ عَلَيْهِ اللَّهُ، فَيَقُول: يَا فُلاَنُ، عَمِلْتُ الْبَارِحَةَ كَذَا وَكَذَا. وَقَدْ بَاتَ يَسْتُرُهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَل وَيُصْبِحُ
__________
(1) حديث: " من ستر مسلما ستره الله عز وجل. . . " أخرجه البخاري (فتح الباري 5 / 197 ط. السلفية) ، ومسلم (4 / 1996 ط. عيسى الحلبي) .
(2) الأذكار ص 288 - 290، والآداب الشرعية لابن مفلح 1 / 266، والحطاب 6 / 164، والمواق بهامش الحطاب 6 / 166، والزواجر 2 / 6، والفواكه الدواني 2 / 369.
يَكْشِفُ سِتْرَ اللَّهِ عَزَّ وَجَل عَنْهُ (1) وَالسَّتْرُ وَاجِبٌ عَلَى الْمُسْلِمِ فِي خَاصَّةِ نَفْسِهِ إِِذَا أَتَى فَاحِشَةً، لِقَوْل النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَنْ أَصَابَ مِنْ هَذِهِ الْقَاذُورَاتِ شَيْئًا فَلْيَسْتَتِرْ بِسِتْرِ اللَّهِ. (2)
5 - وَيَكُونُ التَّشْهِيرُ جَائِزًا لِمَنْ يُجَاهِرُ بِالْمَعْصِيَةِ فِي الأَْحْوَال الآْتِيَةِ:
أ - بِالنِّسْبَةِ لِمَنْ يُجَاهِرُ بِالْمَعْصِيَةِ، فَيَجُوزُ ذِكْرُ مَنْ يَتَجَاهَرُ بِفِسْقِهِ؛ لأَِنَّ الْمُجَاهِرَ بِالْفِسْقِ لاَ يَسْتَنْكِفُ أَنْ يُذْكَرَ بِهِ، وَلاَ يُعْتَبَرُ هَذَا غِيبَةً فِي حَقِّهِ؛ لأَِنَّ مَنْ أَلْقَى جِلْبَابَ الْحَيَاءِ لاَ غِيبَةَ لَهُ.
قَال الْقَرَافِيُّ: الْمُعْلِنُ بِالْفُسُوقِ - كَقَوْل امْرِئِ الْقِيسِ:
فَمِثْلُكِ حُبْلَى قَدْ طَرَقَتْ وَمُرْضِعٌ
، فَإِِنَّهُ يَفْتَخِرُ بِالزِّنَا فِي شِعْرِهِ - فَلاَ يَضُرُّ أَنْ يُحْكَى ذَلِكَ عَنْهُ؛ لأَِنَّهُ لاَ يَتَأَلَّمُ إِِذَا سَمِعَهُ، بَل قَدْ يُسَرُّ بِتِلْكَ الْمَخَازِي، وَكَثِيرٌ مِنَ اللُّصُوصِ تَفْتَخِرُ بِالسَّرِقَةِ وَالاِقْتِدَارِ عَلَى التَّسَوُّرِ عَلَى الدُّورِ الْعِظَامِ وَالْحُصُونِ الْكِبَارِ، فَذِكْرُ مِثْل هَذَا عَنْ هَذِهِ الطَّوَائِفِ لاَ يَحْرُمُ.
__________
(1) حديث: " كل أمتي معافى إلا المجاهرين. . . " أخرجه البخاري (فتح الباري 10 / 486 ط. السلفية) ، ومسلم (4 / 2291 ط. عيسى الحلبي) .
(2) الآداب الشرعية 1 / 267، والمواق بهامش الحطاب 6 / 166، ومغني المحتاج 4 / 150. وحديث: " من أصاب من هذه القاذورات شيئا. . . " أخرجه مالك في الموطأ (2 / 825 ط. فؤاد عبد الباقي) ، والبيهقي (8 / 330 ط. دار المعرفة) ، والحاكم (4 / 244 ط. دار الكتاب العربي) . وقال حديث صحيح على شرط الشيخين، وأقره الذهبي.
الصفحة 42