كتاب الموسوعة الفقهية الكويتية (اسم الجزء: 12)

وَيَرَى الْحَنَفِيَّةُ فِي قَوْلٍ - وَهُوَ مَا يُؤْخَذُ مِمَّا ذَكَرَهُ ابْنُ الشَّاطِّ مِنَ الْمَالِكِيَّةِ - أَنَّ مَنْ يَتَشَبَّهُ بِالْكَافِرِ فِي الْمَلْبُوسِ الْخَاصِّ بِهِ لاَ يُعْتَبَرُ كَافِرًا، إِلاَّ أَنْ يَعْتَقِدَ مُعْتَقَدَهُمْ؛ لأَِنَّهُ مُوَحِّدٌ بِلِسَانِهِ مُصَدِّقٌ بِجَنَانِهِ.
وَقَدْ قَال الإِِْمَامُ أَبُو حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ: لاَ يَخْرُجُ أَحَدٌ مِنَ الإِِْيمَانِ إِلاَّ مِنَ الْبَابِ الَّذِي دَخَل فِيهِ، وَالدُّخُول بِالإِِْقْرَارِ وَالتَّصْدِيقِ، وَهُمَا قَائِمَانِ. (1)
وَذَهَبَ الْحَنَابِلَةُ إِِلَى حُرْمَةِ التَّشَبُّهِ بِالْكُفَّارِ فِي اللِّبَاسِ الَّذِي هُوَ شِعَارٌ لَهُمْ. قَال الْبُهُوتِيُّ: إِنْ تَزَيَّا مُسْلِمٌ بِمَا صَارَ شِعَارًا لأَِهْل ذِمَّةٍ، أَوْ عَلَّقَ صَلِيبًا بِصَدْرِهِ حَرُمَ، وَلَمْ يَكْفُرْ بِذَلِكَ كَسَائِرِ الْمَعَاصِي. (2)
وَيَرَى النَّوَوِيُّ مِنَ الشَّافِعِيَّةِ أَنَّ مَنْ لَبِسَ الزُّنَّارَ وَنَحْوَهُ لاَ يَكْفُرُ إِِذَا لَمْ تَكُنْ نِيَّةٌ. (3)
أَحْوَال تَحْرِيمِ التَّشَبُّهِ:
وَبِتَتَبُّعِ عِبَارَاتِ الْفُقَهَاءِ يَتَبَيَّنُ أَنَّهُمْ يُقَيِّدُونَ كُفْرَ مَنْ يَتَشَبَّهُ بِالْكُفَّارِ فِي اللِّبَاسِ الْخَاصِّ بِهِمْ بِقُيُودٍ مِنْهَا:
5 - أَنْ يَفْعَلَهُ فِي بِلاَدِ الإِِْسْلاَمِ (4) ، قَال أَحْمَدُ الرَّمْلِيُّ: كَوْنُ التَّزَيِّي بِزِيِّ الْكُفَّارِ رِدَّةً مَحَلُّهُ إِِذَا كَانَ
__________
(1) الفتاوى البزازية بهامش الهندية 6 / 332، ودار الشروق مع الفروق 4 / 116.
(2) كشاف القناع 3 / 128.
(3) روضة الطالبين 10 / 69.
(4) الزرقاني 8 / 63.
فِي دَارِ الإِِْسْلاَمِ. أَمَّا فِي دَارِ الْحَرْبِ فَلاَ يُمْكِنُ الْقَوْل بِكَوْنِهِ رِدَّةً؛ لاِحْتِمَال أَنَّهُ لَمْ يَجِدْ غَيْرَهُ كَمَا هُوَ الْغَالِبُ، أَوْ أَنْ يُكْرَهَ عَلَى ذَلِكَ. (1)
قَال ابْنُ تَيْمِيَّةَ: لَوْ أَنَّ الْمُسْلِمَ بِدَارِ حَرْبٍ أَوْ دَارِ كُفْرٍ غَيْرِ حَرْبٍ لَمْ يَكُنْ مَأْمُورًا بِالْمُخَالَفَةِ لَهُمْ (لِلْكُفَّارِ) فِي الْهَدْيِ الظَّاهِرِ؛ لِمَا عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ مِنَ الضَّرَرِ بَل قَدْ يُسْتَحَبُّ لِلرَّجُل أَوْ يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يُشَارِكَهُمْ أَحْيَانًا فِي هَدْيِهِمُ الظَّاهِرِ، إِِذَا كَانَ فِي ذَلِكَ مَصْلَحَةٌ دِينِيَّةٌ، مِنْ دَعْوَتِهِمْ إِِلَى الدِّينِ وَالاِطِّلاَعِ عَلَى بَاطِنِ أُمُورِهِمْ لإِِِخْبَارِ الْمُسْلِمِينَ بِذَلِكَ، أَوْ دَفْعِ ضَرَرِهِمْ عَنِ الْمُسْلِمِينَ وَنَحْوِ ذَلِكَ مِنَ الْمَقَاصِدِ الْحَسَنَةِ. فَأَمَّا فِي دَارِ الإِِْسْلاَمِ وَالْهِجْرَةِ الَّتِي أَعَزَّ اللَّهُ فِيهَا دِينَهُ، وَجَعَل عَلَى الْكَافِرِينَ فِيهَا الصَّغَارَ وَالْجِزْيَةَ فَفِيهَا شُرِعَتِ الْمُخَالَفَةُ. (2)
6 - أَنْ يَكُونَ التَّشَبُّهُ لِغَيْرِ ضَرُورَةٍ، فَمَنْ فَعَل ذَلِكَ لِلضَّرُورَةِ لاَ يَكْفُرُ، فَمَنْ شَدَّ عَلَى وَسَطِهِ زُنَّارًا وَدَخَل دَارَ الْحَرْبِ لِتَخْلِيصِ الأَْسْرَى، أَوْ فَعَل ذَلِكَ خَدِيعَةً فِي الْحَرْبِ وَطَلِيعَةً لِلْمُسْلِمِينَ لاَ يَكْفُرُ. (3) وَكَذَلِكَ إِنْ وَضَعَ قَلَنْسُوَةَ الْمَجُوسِ
__________
(1) أسنى المطالب 4 / 11، وانظر أصول الدين لأبي منصور عبد القاهر التميمي البغدادي ص 266 ط استانبول.
(2) اقتضاء الصراط المستقيم بتحقيق د. ناصر العقل 1 / 418.
(3) الفتاوى الهندية 2 / 276، والفتاوى البزازية بهامش الهندية 6 / 332، وأسنى المطالب 4 / 119.

الصفحة 6