كتاب الموسوعة الفقهية الكويتية (اسم الجزء: 13)

مِنْ بَيْتِ الْمَال عَلَى تَعْلِيمِ الْقُرْآنِ وَتَدْرِيسِ عِلْمٍ نَافِعٍ مِنْ حَدِيثٍ وَفِقْهٍ وَنَحْوِهِمَا؛ لأَِنَّ هَذَا الرِّزْقَ لَيْسَ أُجْرَةً مِنْ كُل وَجْهٍ بَل هُوَ كَالأُْجْرَةِ (1) .
وَإِنَّمَا اخْتَلَفُوا فِي الاِسْتِئْجَارِ لِتَعْلِيمِ الْقُرْآنِ وَالْحَدِيثِ وَالْفِقْهِ وَنَحْوِهِمَا مِنَ الْعُلُومِ الشَّرْعِيَّةِ: فَيَرَى مُتَقَدِّمُو الْحَنَفِيَّةِ - وَهُوَ الْمَذْهَبُ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ - عَدَمَ صِحَّةِ الاِسْتِئْجَارِ لِتَعْلِيمِ الْقُرْآنِ وَالْعِلْمِ الشَّرْعِيِّ، كَالْفِقْهِ وَالْحَدِيثِ (2) . لِحَدِيثِ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَال: عَلَّمْتُ نَاسًا مِنْ أَهْل الصُّفَّةِ الْقُرْآنَ وَالْكِتَابَةَ، فَأَهْدَى إِلَيَّ رَجُلٌ مِنْهُمْ قَوْسًا. قَال: قُلْتُ: قَوْسٌ، وَلَيْسَ بِمَالٍ. قَال: قُلْتُ: أَتَقَلَّدُهَا فِي سَبِيل اللَّهِ، فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَصَصْتُ عَلَيْهِ الْقِصَّةَ، فَقُلْتُ: يَا رَسُول اللَّهِ، رَجُلٌ أَهْدَى إِلَيَّ قَوْسًا مِمَّنْ كُنْتُ أُعَلِّمُهُ الْكِتَابَ وَالْقُرْآنَ، وَلَيْسَتْ بِمَالٍ، وَأَرْمِي عَنْهَا فِي سَبِيل اللَّهِ، قَال: إِنْ كُنْتَ تُحِبُّ أَنْ تُطَوَّقَ طَوْقًا مِنْ نَارٍ فَاقْبَلْهَا (3) .
وَحَدِيثُ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، أَنَّهُ عَلَّمَ رَجُلاً سُورَةً مِنَ الْقُرْآنِ، فَأَهْدَى لَهُ خَمِيصَةً
__________
(1) ابن عابدين 3 / 282، ومطالب أولي النهى 3 / 641، والمغني لابن قدامة 6 / 417، وقليوبي 4 / 296، الموسوعة الفقهية 8 / 252.
(2) بدائع الصنائع 4 / 191، والإنصاف 6 / 45، 46.
(3) حديث: " إن كنت تحب أن تطوق طوقا من نار فاقبلها " أخرجه أبو داود (3 / 702 تحقيق عزت عبيد دعاس) ، والحاكم (2 / 41 ط دائرة المعارف العثمانية) وصححه ووافقه الذهبي.
أَوْ ثَوْبًا، فَذَكَرَ ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَال: إِنَّكَ لَوْ لَبِسْتَهَا لأََلْبَسَكَ اللَّهُ مَكَانَهَا ثَوْبًا مِنْ نَارٍ (1) وَلأَِنَّهُ اسْتِئْجَارٌ لِعَمَلٍ مَفْرُوضٍ، فَلاَ يَجُوزُ، كَالاِسْتِئْجَارِ لِلصَّوْمِ وَالصَّلاَةِ، وَلأَِنَّهُ غَيْرُ مَقْدُورِ الاِسْتِيفَاءِ فِي حَقِّ الأَْجِيرِ، لِتَعَلُّقِهِ بِالْمُتَعَلِّمِ، فَأَشْبَهَ الاِسْتِئْجَارَ لِحَمْل خَشَبَةٍ لاَ يَقْدِرُ عَلَى حَمْلِهَا بِنَفْسِهِ، وَلأَِنَّ الاِسْتِئْجَارَ عَلَى تَعْلِيمِ الْقُرْآنِ وَالْعِلْمِ سَبَبٌ لِتَنْفِيرِ النَّاسِ عَلَى تَعْلِيمِ الْقُرْآنِ وَالْعِلْمِ، لأَِنَّ ثِقَل الأَْجْرِ يَمْنَعُهُمْ مِنْ ذَلِكَ، وَإِلَى هَذَا أَشَارَ اللَّهُ جَل شَأْنُهُ فِي قَوْلِهِ عَزَّ وَجَل: {أَمْ تَسْأَلُهُمْ أَجْرًا فَهُمْ مِنْ مَغْرَمٍ مُثْقَلُونَ} (2) فَيُؤَدِّي إِلَى الرَّغْبَةِ عَنْ هَذِهِ الطَّاعَةِ، وَهَذَا لاَ يَجُوزُ (3) .
وَذَهَبَ مُتَأَخِّرُو الْحَنَفِيَّةِ - وَهُوَ الْمُخْتَارُ لِلْفَتْوَى عِنْدَهُمْ - وَالْمَالِكِيَّةُ فِي قَوْلٍ، وَهُوَ الْقَوْل الآْخَرُ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ - يُؤْخَذُ مِمَّا نَقَلَهُ أَبُو طَالِبٍ عَنْ أَحْمَدَ - إِلَى جَوَازِ الاِسْتِئْجَارِ عَلَى تَعْلِيمِ الْقُرْآنِ وَالْفِقْهِ، لِخَبَرِ: إِنَّ أَحَقَّ مَا أَخَذْتُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا كِتَابُ اللَّهِ (4) وَلِمَا رُوِيَ عَنْ عَبْدِ الْجَبَّارِ بْنِ عُمَرَ
__________
(1) حديث: " إنك لو لبستها لألبسك الله مكانها. . . " ذكره الفقيه مصطفى السيوطي في مطالب أولي النهى (3 / 638 ط المكتب الإسلامي) وعزاه إلى الأثرم في سننه.
(2) سورة الطور / 40.
(3) مطالب أولي النهى 3 / 637، 638، وبدائع الصنائع 4 / 191، والفتاوى الهندية 4 / 448.
(4) حديث: " إن أحق ما أخذتم عليه. . " أخرجه البخاري (الفتح) 10 / 199 ط السلفية) .

الصفحة 15