كتاب الموسوعة الفقهية الكويتية (اسم الجزء: 13)

جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ إِلَى: أَنَّهُ يَجِبُ اجْتِنَابُهُ بِلاَ خِلاَفٍ. لِمَا صَحَّ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: أَنَّهُ دَخَل عَلَى امْرَأَتِهِ، وَفِي عُنُقِهَا شَيْءٌ تَتَعَوَّذُ بِهِ، فَجَبَذَهُ، فَقَطَعَهُ، ثُمَّ قَال: لَقَدْ أَصْبَحَ آل عَبْدِ اللَّهِ أَغْنِيَاءَ عَنْ أَنْ يُشْرِكُوا بِاَللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّل بِهِ سُلْطَانًا. ثُمَّ قَال: سَمِعْتُ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُول: إِنَّ الرُّقَى وَالتَّمَائِمَ وَالتُّوَلَةَ شِرْكٌ، قَالُوا: يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ هَذِهِ الرُّقَى وَالتَّمَائِمُ قَدْ عَرَفْنَاهَا، فَمَا التُّوَلَةُ، قَال: شَيْءٌ يَصْنَعُهُ النِّسَاءُ يَتَحَبَّبْنَ إِلَى أَزْوَاجِهِنَّ (1) .
فَيَتَعَيَّنُ حَمْل الْوَعِيدِ عَلَى مَا كَانُوا يَفْعَلُونَهُ مِنْ تَعْلِيقِ خَرَزَةٍ يُسَمُّونَهَا تَمِيمَةً أَوْ نَحْوَهَا، يَرَوْنَ أَنَّهَا تَدْفَعُ عَنْهُمُ الآْفَاتِ. وَلاَ شَكَّ أَنَّ اعْتِمَادَ هَذَا جَهْلٌ وَضَلاَلٌ، وَأَنَّهُ مِنْ أَكْبَرِ الْكَبَائِرِ، لأَِنَّهُ إِنْ لَمْ يَكُنْ شِرْكًا فَهُوَ يُؤَدِّي إِلَيْهِ، إِذْ لاَ يَنْفَعُ وَلاَ يَضُرُّ وَلاَ يَمْنَعُ وَلاَ يَدْفَعُ إِلاَّ اللَّهُ تَعَالَى وَكَذَلِكَ الرُّقَى وَالتَّعَاوِيذُ مَحْمُولَةٌ أَيْضًا عَلَى ذَلِكَ، أَوْ عَلَى مَا إِذَا كَانَتْ بِغَيْرِ لِسَانِ الْعَرَبِ وَلاَ يُدْرَى مَا هِيَ، وَلَعَلَّهُ يَدْخُلُهَا سِحْرٌ أَوْ كُفْرٌ أَوْ غَيْرُ ذَلِكَ مِمَّا لاَ يُعْرَفُ مَعْنَاهُ، فَإِنَّهَا حِينَئِذٍ حَرَامٌ، صَرَّحَ بِهِ الْخَطَّابِيُّ وَالْبَيْهَقِيُّ وَابْنُ رُشْدٍ وَالْعِزُّ بْنُ عَبْدِ السَّلاَمِ وَجَمَاعَةٌ مِنْ أَئِمَّةِ الشَّافِعِيَّةِ وَغَيْرِهِمْ،
__________
(1) حديث: " إن الرقي والتمائم والتولة شرك. . . " أخرجه الحاكم (4 / 217 ط دائرة المعارف العثمانية) وصححه ووافقه الذهبي.
وَقَال فِي الشَّرْحِ الصَّغِيرِ: لاَ يُرْقَى بِالأَْسْمَاءِ الَّتِي لَمْ يُعْرَفْ مَعْنَاهَا، قَال مَالِكٌ: مَا يُدْرِيكَ لَعَلَّهَا كُفْرٌ؟ (1) .
وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي حُكْمِ النَّفْثِ وَغَيْرِهِ عِنْدَ الرُّقَى وَالتَّعَاوِيذِ، فَمَنَعَهُ قَوْمٌ، وَأَجَازَهُ آخَرُونَ. قَال النَّوَوِيُّ: وَقَدْ أَجْمَعُوا عَلَى جَوَازِهِ، وَاسْتَحَبَّهُ الْجُمْهُورُ مِنَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ وَمَنْ بَعْدَهُمْ، وَاسْتَدَلُّوا بِمَا رَوَتْهُ عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا: أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَنْفُثُ فِي الرُّقْيَةِ وَلَفْظُهُ: كَانَ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا مَرِضَ أَحَدٌ مِنْ أَهْلِهِ نَفَثَ عَلَيْهِ بِالْمُعَوِّذَاتِ، فَلَمَّا مَرِضَ مَرَضَهُ الَّذِي مَاتَ فِيهِ، جَعَلْتُ أَنْفُثُ عَلَيْهِ وَأَمْسَحُهُ بِيَدِ نَفْسِهِ؛ لأَِنَّهَا أَعْظَمُ بَرَكَةً مِنْ يَدِي (2) وَأَيْضًا بِمَا رُوِيَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ حَاطِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ يَدَهُ احْتَرَقَتْ، فَأَتَتْ بِهِ أُمُّهُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَجَعَل يَنْفُثُ عَلَيْهَا، وَيَتَكَلَّمُ بِكَلاَمٍ زَعَمَ أَنَّهُ لَمْ يَحْفَظْهُ (3) .
__________
(1) ابن عابدين 5 / 232، والشرح الصغير 4 / 769، والفتاوى الحديثية ص 120، والإنصاف 10 / 352، وكشاف القناع 6 / 186، وعمدة القاري 5 / 653، والقرطبي 20 / 258، والزواجر 1 / 155، ونيل الأوطار 8 / 214، والدين الخالص 2 / 232، 234.
(2) حديث: " كان إذا مرض أحد من أهله نفث عليه بالمعوذات. . . " أخرجه البخاري (الفتح 10 / 206ط السلفية، ومسلم (4 / 1722ط الحلبي) .
(3) حديث محمد بن حاطب أن يده احترقت، " فأتت به أمه النبي صلى الله عليه وسلم فجعل. . . " أخرجه (أحمد 4 / 259 ط الميمنية) ، وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (5 / 112 ط القدسي) : رواه أحمد والطبراني ورجال أحمد رجال الصحيح.

الصفحة 24