كتاب الموسوعة الفقهية الكويتية (اسم الجزء: 13)
التَّلْفِيقُ بَيْنَ شَهَادَتَيْنِ لإِِثْبَاتِ الرِّدَّةِ:
12 - ذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ إِلَى جَوَازِ التَّلْفِيقِ بَيْنَ الشَّهَادَتَيْنِ فِي الأَْقْوَال الْمُخْتَلِفَةِ فِي اللَّفْظِ الْمُتَّفِقَةِ فِي الْمَعْنَى لإِِثْبَاتِ الرِّدَّةِ، كَمَا لَوْ شَهِدَ أَحَدُهُمَا عَلَيْهِ أَنَّهُ قَال: لَمْ يُكَلِّمِ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا، وَشَهِدَ آخَرُ عَلَيْهِ أَنَّهُ قَال: مَا اتَّخَذَ اللَّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلاً، فَإِنَّ الْقَاضِيَ يَجْمَعُ بَيْنَ هَاتَيْنِ الشَّهَادَتَيْنِ لإِِثْبَاتِ الرِّدَّةِ. أَمَّا إِذَا كَانَتْ إِحْدَى الشَّهَادَتَيْنِ عَلَى قَوْلٍ، مِثْل أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْهِ أَنَّهُ قَال: فِي كُل جِنْسٍ نَذِيرٌ، وَالأُْخْرَى عَلَى فِعْلٍ كَإِلْقَاءِ مُصْحَفٍ فِي قَاذُورَةٍ، أَوْ كَانَتَا عَلَى فِعْلَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ كَالإِْلْقَاءِ الْمَذْكُورِ، وَشَدِّ الزُّنَّارِ فَلاَ تَلْفِيقَ (1) .
هَذَا وَفِي قَبُول الشَّهَادَةِ لإِِثْبَاتِ الرِّدَّةِ خِلاَفٌ بَيْنَ الْفُقَهَاءِ فِي أَنَّهَا هَل تَثْبُتُ بِهَا مُطْلَقًا أَيْ: عَلَى وَجْهِ الإِْطْلاَقِ أَوْ لاَ بُدَّ مِنَ التَّفْصِيل؟ وَهَل يُتَعَرَّضُ لِلْمَشْهُودِ عَلَيْهِ إِذَا أَنْكَرَ؟
وَهَذَا بَعْدَ اتِّفَاقِهِمْ جَمِيعًا عَلَى أَنَّ الشَّهَادَةَ بِهَا لاَ يُقْبَل فِيهَا إِلاَّ الْعُدُول.
فَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ كَمَا جَاءَ فِي الدُّرِّ الْمُخْتَارِ إِلَى أَنَّهُمْ لَوْ شَهِدُوا عَلَى مُسْلِمٍ بِالرِّدَّةِ وَهُوَ مُنْكِرٌ لاَ يُتَعَرَّضُ لَهُ لاَ لِتَكْذِيبِ الشُّهُودِ وَالْعُدُول بَل لأَِنَّ إِنْكَارَهُ تَوْبَةٌ وَرُجُوعٌ يَدْرَأُ عَنْهُ الْقَتْل فَقَطْ دُونَ
__________
(1) الزرقاني 8 / 65 ط الفكر.
غَيْرِهِ مِنْ أَحْكَامِ الرِّدَّةِ، كَحَبْطِ عَمَلٍ وَبُطْلاَنِ وَقْفٍ وَبَيْنُونَةِ زَوْجَةٍ وَإِلاَّ أَيْ: إِذَا لَمْ يُنْكِرْ فَإِنَّهُ يُقْتَل كَارْتِدَادِهِ بِنَفْسِهِ (1) .
وَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ عَلَى أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ إِلَى أَنَّ الشَّهَادَةَ بِهَا لاَ تُقْبَل بِإِطْلاَقٍ، بَل لاَ بُدَّ مِنَ التَّفْصِيل لاِخْتِلاَفِ أَهْل السُّنَّةِ فِي أَسْبَابِ الْكُفْرِ فَرُبَّمَا وَجَبَ عِنْدَ بَعْضٍ دُونَ آخَرِينَ (2) .
وَالْقَوْل الْمُعْتَمَدُ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ، وَهُوَ أَيْضًا مَذْهَبُ الْحَنَابِلَةِ هُوَ أَنَّ الشَّهَادَةَ بِهَا تُقْبَل بِإِطْلاَقٍ مِنْ غَيْرِ تَفْصِيلٍ، حَتَّى إِذَا أَنْكَرَ الْمَشْهُودُ عَلَيْهِ لاَ يَنْفَعُهُ إِنْكَارُهُ بَل لاَ بُدَّ لَهُ مِنَ التَّوْبَةِ وَإِلاَّ قُتِل؛ لأَِنَّهَا لِخَطَرِهَا لاَ يُقْدِمُ الْعَدْل عَلَى الشَّهَادَةِ بِهَا إِلاَّ بَعْدَ تَحَقُّقِهَا بِأَنْ يَذْكُرَ مُوجِبَهَا وَإِنْ لَمْ يَقُل عَالِمًا مُخْتَارًا لاِخْتِلاَفِ الْمَذَاهِبِ فِي الْكُفْرِ وَخَطَرِ أَمْرِ الرِّدَّةِ (3) .
وَالتَّفْصِيل فِي مُصْطَلَحِ " رِدَّةٌ ".
التَّلْفِيقُ بَيْنَ الْمَذَاهِبِ:
13 - الْمُرَادُ بِالتَّلْفِيقِ بَيْنَ الْمَذَاهِبِ أَخْذُ صِحَّةِ الْفِعْل مِنْ مَذْهَبَيْنِ مَعًا بَعْدَ الْحُكْمِ بِبُطْلاَنِهِ عَلَى
__________
(1) ابن عابدين 3 / 299 ط المصرية.
(2) الزرقاني 8 / 65 ط الفكر، وحاشية قليوبي 4 / 176 ط الحلبي.
(3) نهاية المحتاج 7 / 397 - 398 ط المكتبة الإسلامية، وحاشية قليوبي 4 / 176 ط الحلبي، وكشاف القناع 6 / 179ط النصر، والمغني 8 / 140 - 141 ط الرياض.
الصفحة 293