كتاب الموسوعة الفقهية الكويتية (اسم الجزء: 13)

التَّعْوِيضُ عَنْ تَفْوِيتِ الْمَنْفَعَةِ:
9 - ذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ إِلَى أَنَّ مَنَافِعَ الأَْمْوَال مَضْمُونَةٌ بِالتَّفْوِيتِ بِأُجْرَةِ الْمِثْل مُدَّةَ مَقَامِهَا فِي يَدِ الْغَاصِبِ أَوْ غَيْرِهِ؛ لأَِنَّ كُل مَا ضُمِنَ بِالإِْتْلاَفِ جَازَ أَنْ يُضْمَنَ بِمُجَرَّدِ التَّلَفِ فِي يَدِهِ كَالأَْعْيَانِ، عَلَى خِلاَفٍ وَتَفْصِيلٍ يَذْكُرُهُ الْفُقَهَاءُ فِي مُصْطَلَحِ (غَصْبٌ، وَضَمَانٌ) . وَمِنَ الْمَنَافِعِ الَّتِي نَصُّوا عَلَى ضَمَانِهَا تَفْوِيتُ مَنْفَعَةِ الْحُرِّ، فَإِنَّ مَنْ قَهَرَ حُرًّا وَسَخَّرَهُ فِي عَمَلٍ ضَمِنَ أُجْرَتَهُ. وَأَمَّا لَوْ حَبَسَهُ وَعَطَّل مَنَافِعَهُ فَإِنَّهُ ضَامِنٌ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ، وَغَيْرُ ضَامِنٍ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ فِي الأَْصَحِّ عِنْدَهُمْ (1) .
وَأَمَّا مَنَافِعُ الْمَغْصُوبِ، فَقَدِ اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي ضَمَانِهَا:
فَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ: إِلَى ضَمَانِ مَنَافِعِ الْمَغْصُوبِ، وَعَلَيْهِ أَجْرُ الْمِثْل - تَعْوِيضًا - عَمَّا فَاتَهُ، سَوَاءٌ اسْتَوْفَى الْغَاصِبُ الْمَنَافِعَ أَمْ لاَ. لأَِنَّ الْمَنْفَعَةَ مَالٌ مُتَقَوِّمٌ. وَقَال الْمَالِكِيَّةُ - فِي الْمَشْهُورِ -: يَضْمَنُ الْغَاصِبُ غَلَّةَ مَغْصُوبٍ مُسْتَعْمَلٍ دُونَ غَيْرِ الْمُسْتَعْمَل، وَيَضْمَنُ غَلَّةَ مَا عَطَّل مِنْ دَارٍ أَغْلَقَهَا، وَأَرْضٍ بَوَّرَهَا، وَدَابَّةٍ حَبَسَهَا. وَلِلتَّفْصِيل انْظُرْ (غَصْبٌ، وَضَمَانٌ) .
وَقَال الْحَنَفِيَّةُ: إِنَّ مَنَافِعَ الْمَغْصُوبِ غَيْرُ
__________
(1) الدسوقي 3 / 454، 455، وروضة الطالبين 5 / 13 ـ 14، وكشاف القناع 4 / 111ـ 112.
مَضْمُونَةٍ؛ لأَِنَّهَا لَيْسَتْ مَالاً عِنْدَهُمْ، عَدَا ثَلاَثَةَ مَوَاضِعَ يَجِبُ فِيهَا أَجْرُ الْمِثْل عَلَى اخْتِيَارِ بَعْضِ الْمُتَأَخِّرِينَ (1) ، وَهِيَ:

أ - الْوَقْفُ:
10 - إِذَا كَانَ الْوَقْفُ لِلسُّكْنَى أَوْ لِلاِسْتِغْلاَل أَوْ كَانَ مَسْجِدًا، فَإِنَّ مَنْ تَعَدَّى عَلَيْهِ - أَيْ كَمَنْ جَعَل الْمَسْجِدَ بَيْتًا - يَلْزَمُهُ أُجْرَةُ مِثْلِهِ مُدَّةَ شُغْلِهِ، كَمَا قَالَهُ ابْنُ عَابِدِينَ نَقْلاً عَنِ الْخَيْرِيَّةِ وَالْحَامِدِيَّةِ.

ب - مَال الْيَتِيمِ:
11 - قَال ابْنُ عَابِدِينَ: وَكَذَا الْيَتِيمُ نَفْسُهُ - لِمَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ - يَتِيمٌ لاَ أَبَ لَهُ وَلاَ أُمَّ، اسْتَعْمَلَهُ أَقْرِبَاؤُهُ مُدَّةً فِي أَعْمَالٍ شَتَّى بِلاَ إِذْنِ الْحَاكِمِ وَبِلاَ إِجَارَةٍ، لَهُ طَلَبُ أَجْرِ الْمِثْل بَعْدَ الْبُلُوغِ إِنْ كَانَ مَا يُعْطُونَهُ مِنَ الْكِسْوَةِ وَالْكِفَايَةِ لاَ يُسَاوِي أَجْرَ الْمِثْل.
وَأَمَّا مَال الْيَتِيمِ، فَإِنَّ تَفْوِيتَ مَنْفَعَتِهِ يُوجِبُ التَّعْوِيضَ أَيْضًا، وَذَلِكَ كَمَا إِذَا سَكَنَتْ أُمُّ الْيَتِيمِ مَعَ زَوْجِهَا فِي بَيْتٍ لَهُ، فَتَجِبُ الأُْجْرَةُ عَلَى الزَّوْجِ. وَكَذَا إِذَا سَكَنَ الدَّارَ شَرِيكُ الْيَتِيمِ، فَتَجِبُ الأُْجْرَةُ عَلَى الشَّرِيكِ أَيْضًا، عَلَى مَا أَفْتَى بِهِ ابْنُ نُجَيْمٍ فِي الصُّورَتَيْنِ. وَكَذَا سَاكِنُ
__________
(1) ابن عابدين 5 / 131، والدسوقي 3 / 448، وكشاف القناع 4 / 111 ـ 112، ومغني المحتاج 2 / 486، والمغني 5 / 272، والقواعد لابن رجب ص 213.

الصفحة 37