كتاب الموسوعة الفقهية الكويتية (اسم الجزء: 13)

نَصٌّ يَدُل عَلَى نَجَاسَتِهَا، وَهُوَ مَا رَوَاهُ ابْنُ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ طَلَبَ مِنْهُ لَيْلَةَ الْجِنِّ أَحْجَارًا لِلاِسْتِنْجَاءِ، فَأَتَى بِحَجَرَيْنِ وَرَوْثَةٍ، فَأَخَذَ الْحَجَرَيْنِ، وَرَمَى الرَّوْثَةَ، وَقَال: إِنَّهَا رِكْسٌ (1) وَلَمْ يَرِدْ نَصٌّ يُعَارِضُهُ، فَكَانَتْ نَجَاسَتُهَا مُغَلَّظَةً.
أَمَّا عِنْدَ الصَّاحِبَيْنِ فَمُخَفَّفَةٌ لاِخْتِلاَفِ الْعُلَمَاءِ فِي نَجَاسَتِهَا. وَبَوْل مَا لاَ يُؤْكَل لَحْمُهُ نَجِسٌ نَجَاسَةً مُغَلَّظَةً بِالاِتِّفَاقِ بَيْنَ الإِْمَامِ وَالصَّاحِبَيْنِ، لاِنْعِدَامِ النَّصِّ الْمُعَارِضِ عِنْدَ الإِْمَامِ وَاتِّفَاقِ الْفُقَهَاءِ عَلَى نَجَاسَتِهِ عِنْدَهُمَا.
وَالنَّجَاسَةُ الْمُغَلَّظَةُ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ هِيَ مَا عَدَا فَضَلاَتِ مَا يُؤْكَل لَحْمُهُ مِنَ النَّجَاسَاتِ. وَيُفَرِّقُ الْحَنَابِلَةُ فِي النَّجَاسَاتِ بَيْنَ كُلٍّ مِنَ الْخِنْزِيرِ وَالْكَلْبِ وَبَيْنَ سَائِرِ النَّجَاسَاتِ، فَنَجَاسَةُ الْخِنْزِيرِ وَالْكَلْبِ أَشَدُّ، وَيَلِيهَا بَوْل الآْدَمِيِّ وَعَذِرَتِهِ، ثُمَّ سَائِرُ النَّجَاسَاتِ، ثُمَّ بَوْل الرَّضِيعِ. (2)
وَاخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي أَحْكَامِ النَّجَاسَةِ الْمُغَلَّظَةِ، فَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ إِلَى أَنَّهُ يُعْفَى عَنَ النَّجَاسَةِ الْمُغَلَّظَةِ قَدْرُ دِرْهَمٍ إِذَا أَصَابَتِ الثَّوْبَ أَوِ
__________
(1) حديث: " ابن مسعود أن النبي صلى الله عليه وسلم طلب منه ليلة الجن أحجارا للاستنجاء. . . " أخرجه البخاري (فتح الباري 1 / 256 ط الدار السلفية) .
(2) ابن عابدين 1 / 211، وبدائع الصنائع 1 / 80، والمدونة الكبرى 1 / 19، 20، 21، والإنصاف 1 / 310
الْبَدَنَ فِي الصَّلاَةِ، أَمَّا الْمُخَفَّفَةُ فَيُعْفَى مَا لَيْسَ بِفَاحِشٍ.
وَقَال الْمَالِكِيَّةُ: تَطْهُرُ النَّجَاسَةُ الْمُخَفَّفَةُ بِالدَّلْكِ. أَمَّا الْمُغَلَّظَةُ فَلاَ تَطْهُرُ إِلاَّ بِالْغُسْل. وَالتَّفْصِيل فِي بَابِ النَّجَاسَةِ.
وَقَال الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ: إِنَّ النَّجَاسَةَ الْمُغَلَّظَةَ لاَ تَطْهُرُ إِلاَّ بِسَبْعِ غَسَلاَتٍ إِحْدَاهُنَّ بِالتُّرَابِ، وَمَا عَدَاهَا فَتَطْهُرُ بِغَسْلَةٍ وَاحِدَةٍ.
وَأَنَّهُ لاَ يُعْفَى عَنْ قَلِيل النَّجَاسَةِ الْمُغَلَّظَةِ وَإِنْ قَلَّتْ، أَوْ أَصَابَتِ الْبَدَنَ، أَوِ الثَّوْبَ. أَمَّا غَيْرُ الْمُغَلَّظَةِ فَيُعْفَى عَنْ قَلِيلِهَا (1) عَلَى تَفْصِيلٍ يُنْظَرُ فِي بَابِ (النَّجَاسَةُ) .

الْعَوْرَةُ الْمُغَلَّظَةُ:
3 - لاَ خِلاَفَ بَيْنَ الْفُقَهَاءِ فِي حُرْمَةِ النَّظَرِ إِلَى الْعَوْرَةِ، وَوُجُوبِ سَتْرِهَا فِي الصَّلاَةِ وَخَارِجِهَا.
وَلَكِنَّ الْحَنَفِيَّةَ وَالْمَالِكِيَّةَ قَسَّمُوهَا فِي الصَّلاَةِ، وَالنَّظَرِ إِلَيْهَا إِلَى: مُغَلَّظَةٍ وَمُخَفَّفَةٍ. فَالْمُغَلَّظَةُ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ هِيَ السَّوْأَتَانِ، وَهُمَا الْقُبُل، وَالدُّبُرُ، بِالنِّسْبَةِ لِلرَّجُل وَالْمَرْأَةِ عَلَى السَّوَاءِ.
وَقَال الْمَالِكِيَّةُ: إِنَّ الْعَوْرَةَ الْمُغَلَّظَةَ تَخْتَلِفُ بِاخْتِلاَفِ النَّوْعِ، فَعَوْرَةُ الرَّجُل الْمُغَلَّظَةِ هِيَ السَّوْأَتَانِ فِي الصَّلاَةِ، أَمَّا الْمَرْأَةُ فَهِيَ مَا عَدَا صَدْرَهَا وَأَطْرَافَهَا، وَهِيَ الذِّرَاعَانِ وَالرِّجْلاَنِ وَالْعُنُقُ.
__________
(1) الجمل على شرح المنهج 1 / 168ـ 183ـ 425، وقليوبي 1 / 69 ـ 185، وبدائع الصنائع 1 / 80، والمدونة 1 / 19

الصفحة 66