كتاب الموسوعة الفقهية الكويتية (اسم الجزء: 15)

وَالْجِدَال بِالْحَقِّ مِنَ النَّصِيحَةِ فِي الدِّينِ، وَفِي قِصَّةِ نُوحٍ عَلَيْهِ السَّلَامُ قَوْلُهُمْ لَهُ: {يَا نُوحُ قَدْ جَادَلَتْنَا فَأَكْثَرْتَ جِدَالَنَا} (1) فَكَانَ جَوَابُهُ لَهُمْ قَوْلَهُ: {وَلاَ يَنْفَعُكُمْ نُصْحِي إِنْ أَرَدْتُ أَنْ أَنْصَحَ لَكُمْ إِنْ كَانَ اللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يُغْوِيَكُمْ} (2) .
وَقَال ابْنُ الْقَيِّمِ فِي قِصَّةِ وَفْدِ نَصَارَى نَجْرَانَ وَمَا اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ مِنْ فَوَائِدَ مَا نَصُّهُ:
وَمِنْهَا: جَوَازُ مُجَادَلَةِ أَهْل الْكِتَابِ وَمُنَاظَرَتِهِمْ، بَل اسْتِحْبَابُ ذَلِكَ، بَل وُجُوبُهُ إِذَا ظَهَرَتْ مَصْلَحَتُهُ مِنْ إِسْلاَمِ مَنْ يُرْجَى إِسْلاَمُهُ مِنْهُمْ وَإِقَامَةِ الْحُجَّةِ عَلَيْهِمْ، وَلاَ يَهْرُبُ مِنْ مُجَادَلَتِهِمْ إِلاَّ عَاجِزٌ عَنْ إِقَامَةِ الْحُجَّةِ، فَلْيُؤَدِّ ذَلِكَ إِلَى أَهْلِهِ (أَيِ الْقَادِرِينَ عَلَيْهِ) .
وَقَال الشَّوْكَانِيُّ عِنْدَ تَفْسِيرِ قَوْله تَعَالَى: {مَا يُجَادِل فِي آيَاتِ اللَّهِ إِلاَّ الَّذِينَ كَفَرُوا} (3) ، أَيْ مَا يُخَاصِمُ فِي دَفْعِ آيَاتِ اللَّهِ وَتَكْذِيبِهَا إِلاَّ الَّذِينَ كَفَرُوا، وَالْمُرَادُ: الْجِدَال بِالْبَاطِل، وَالْقَصْدُ إِلَى دَحْضِ الْحَقِّ، فَأَمَّا الْجِدَال لاِسْتِيضَاحِ الْحَقِّ، وَرَفْعِ اللَّبْسِ، وَتَمْيِيزِ الرَّاجِحِ مِنَ الْمَرْجُوحِ، وَدَفْعِ مَا يَتَعَلَّقُ بِهِ الْمُبْطِلُونَ، فَهُوَ
__________
(1) سورة هود / 32.
(2) سورة هود / 34.
(3) سورة غافر / 4.
مِنْ أَعْظَمِ مَا يَتَقَرَّبُ بِهِ الْمُتَقَرِّبُونَ (1) ، وَبِذَلِكَ أَخَذَ اللَّهُ الْمِيثَاقَ عَلَى الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ فَقَال: {وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلاَ تَكْتُمُونَهُ} (2) .
__________
(1) زاد المعاد 3 / 42، وفتح القدير للشوكاني 3 / 42.
(2) سورة آل عمران / 187.

الصفحة 128