كتاب الموسوعة الفقهية الكويتية (اسم الجزء: 15)
وَقَدِ اخْتَلَفَتِ الآْثَارُ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي مُخَالَطَةِ الْمَجْذُومِ الأَْصِحَّاءَ، فَجَاءَ فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ فِرَّ مِنَ الْمَجْذُومِ كَمَا تَفِرُّ مِنَ الأَْسَدِ (1) وَأَخْرَجَ مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ عَمْرِو بْنِ الشَّرِيدِ الثَّقَفِيِّ عَنْ أَبِيهِ قَال: كَانَ فِي وَفْدِ ثَقِيفٍ رَجُلٌ مَجْذُومٌ فَأَرْسَل إِلَيْهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّا قَدْ بَايَعْنَاكَ فَارْجِعْ (2) .
وَرَوَى أَبُو نُعَيْمٍ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ أَبِي أَوْفَى أَنَّ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَال: كَلِّمِ الْمَجْذُومَ وَبَيْنَكَ وَبَيْنَهُ قَيْدُ رُمْحٍ أَوْ رُمْحَيْنِ (3) .
وَرَوَى أَبُو دَاوُدَ عَنْ جَابِرٍ أَنَّ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَخَذَ بِيَدِ مَجْذُومٍ فَأَدْخَلَهُ مَعَهُ فِي الْقَصْعَةِ ثُمَّ قَال: كُل بِاسْمِ اللَّهِ ثِقَةً بِاللَّهِ وَتَوَكُّلاً عَلَى اللَّهِ (4) .
__________
(1) حديث: " فر من المجذوم كما تفر من الأسد ". أخرجه البخاري (الفتح 10 / 158 - ط السلفية) من حديث أبي هريرة.
(2) حديث: " إنا قد بايعناك فارجع ". أخرجه مسلم (4 / 1752 - ط الحلبي) من حديث عمرو بن الشريد الثقفي.
(3) حديث: " كلم المجذوم وبينك وبينه قيد رمح أو رمحين ". قال ابن حجر في الفتح (10 / 159 - ط السلفية) : " أخرجه أبو نعيم في الطيب بسنده واه ". وهو من حديث عبد الله بن أبي أوفى.
(4) حديث: " كل باسم الله ثقة بالله وتوكلا على الله ". أخرجه الترمذي (4 / 266 - ط الحلبي) من حديث جابر بن عبد الله، وقال: " هذا حديث غريب ". وأعله ابن الجوزي في العلل (2 / 869 - ط دار الكتب العلمية) براوية المفضل بن فضالة، وقال ابن عدي في الكامل (6 / 2404 - ط دار الفكر) : " لم أر له أنكر من هذا ".
6 - وَقَدْ أَجَابَ الْعُلَمَاءُ عَنِ الاِخْتِلاَفِ فِي تِلْكَ الآْثَارِ بِطُرُقٍ مِنْهَا:
التَّرْجِيحُ، وَقَدْ سَلَكَهُ فَرِيقَانِ:
أَحَدُهُمَا: سَلَكَ تَرْجِيحَ الأَْخْبَارِ الدَّالَّةِ عَلَى نَفْيِ الْعَدْوَى وَتَضْعِيفِ الأَْخْبَارِ الدَّالَّةِ عَلَى عَكْسِ ذَلِكَ.
وَالْفَرِيقُ الثَّانِي: سَلَكُوا فِي التَّرْجِيحِ عَكْسَ هَذَا الْمَسْلَكِ، وَقَالُوا: إِنَّ الأَْخْبَارَ الدَّالَّةَ عَلَى الاِجْتِنَابِ أَكْثَرُ مَخَارِجَ وَأَكْثَرُ طُرُقًا فَالْمَصِيرُ إِلَيْهَا أَوْلَى.
وَقَال ابْنُ حَجَرٍ: إِنَّ طَرِيقَ التَّرْجِيحِ لاَ يُصَارُ إِلَيْهَا إِلاَّ مَعَ تَعَذُّرِ الْجَمْعِ. وَهُوَ مُمْكِنٌ فَهُوَ أَوْلَى.
7 - وَفِي طَرِيقِ الْجَمْعِ مَسَالِكُ أَهَمُّهَا:
1 - نَفْيُ الْعَدْوَى جُمْلَةً وَحَمْل الأَْمْرِ بِالْفِرَارِ مِنَ الْمَجْذُومِ عَلَى رِعَايَةِ خَاطِرِ الْمَجْذُومِ؛ لأَِنَّهُ إِذَا رَأَى الصَّحِيحَ الْبَدَنِ السَّلِيمَ مِنَ الآْفَةِ، تَعْظُمُ مُصِيبَتُهُ وَتَزْدَادُ حَسْرَتُهُ.
2 - إِثْبَاتُ الْعَدْوَى فِي الْجُذَامِ وَنَحْوِهِ مَخْصُوصٌ مِنْ عُمُومِ نَفْيِ الْعَدْوَى، فَيَكُونُ مَعْنَى قَوْلِهِ: لاَ عَدْوَى أَيْ إِلاَّ مِنَ الْجُذَامِ مَثَلاً.
بِهَذَا قَال الْقَاضِي أَبُو بَكْرٍ الْبَاقِلاَّنِيُّ وَقَدْ حَكَى ذَلِكَ ابْنُ بَطَّالٍ أَيْضًا.
3 - إِنَّ الأَْمْرَ بِالْفِرَارِ مِنَ الْمَجْذُومِ لَيْسَ مِنْ بَابِ الْعَدْوَى فِي شَيْءٍ، بَل هُوَ لأَِمْرٍ طَبِيعِيٍّ وَهُوَ انْتِقَال الدَّاءِ مِنْ جَسَدٍ لِجَسَدٍ بِوَاسِطَةِ الْمُلاَمَسَةِ وَالْمُخَالَطَةِ وَشَمِّ الرَّائِحَةِ، وَلِذَلِكَ يَقَعُ فِي كَثِيرٍ مِنَ
الصفحة 131