كتاب الموسوعة الفقهية الكويتية (اسم الجزء: 15)

الْعُلَمَاءُ فِي وَقْتِ تَشْرِيعِهَا تَبَعًا لاِخْتِلاَفِهِمْ فِي وَقْتِ نُزُول الآْيَةِ.
فَذَهَبَ ابْنُ الْقَيِّمِ إِلَى أَنَّ الْجِزْيَةَ لَمْ تُؤْخَذْ مِنْ أَحَدٍ مِنَ الْكُفَّارِ إِلاَّ بَعْدَ نُزُول آيَةِ سُورَةِ بَرَاءَةٍ فِي السَّنَةِ الثَّامِنَةِ مِنَ الْهِجْرَةِ.
وَذَهَبَ ابْنُ كَثِيرٍ فِي تَفْسِيرِهِ إِلَى أَنَّ آيَةَ الْجِزْيَةِ نَزَلَتْ فِي السَّنَةِ التَّاسِعَةِ لِلْهِجْرَةِ، حَيْثُ قَال عِنْدَ تَفْسِيرِهِ لِلآْيَةِ: هَذِهِ الآْيَةُ الْكَرِيمَةُ أَوَّل الأَْمْرِ بِقِتَال أَهْل الْكِتَابِ بَعْدَمَا تَمَهَّدَتْ أُمُورُ الْمُشْرِكِينَ وَدَخَل النَّاسُ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجًا وَاسْتَقَامَتْ جَزِيرَةُ الْعَرَبِ، أَمَرَ اللَّهُ رَسُولَهُ بِقِتَال أَهْل الْكِتَابَيْنِ، وَكَانَ ذَلِكَ فِي سَنَةِ تِسْعٍ (1) .
هَذَا وَلَمْ يَأْخُذْ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جِزْيَةً مِنْ أَحَدٍ مِنَ الْكُفَّارِ قَبْل نُزُول آيَةِ الْجِزْيَةِ، فَلَمَّا نَزَلَتْ أَخَذَهَا مِنْ نَصَارَى نَجْرَانَ، وَمَجُوسِ هَجَرَ، ثُمَّ أَخَذَهَا مِنْ أَهْل أَيْلَةَ، وَأَذْرُحَ، وَأَهْل أَذْرِعَاتٍ وَغَيْرِهَا مِنَ الْقَبَائِل النَّصْرَانِيَّةِ الَّتِي تَعِيشُ فِي أَطْرَافِ الْجَزِيرَةِ الْعَرَبِيَّةِ (2) .
رَوَى أَبُو عُبَيْدٍ - بِسَنَدِهِ - إِلَى ابْنِ شِهَابٍ
__________
(1) زاد المعاد في هدي خير العباد 2 / 88 - دار إحياء التراث العربي ببيروت، تفسير القرآن العظيم لابن كثير 2 / 347 - دار المعرفة ببيروت.
(2) نجران (بفتح النون وسكون الجيم وفتح الراء) : بلدة ما بين مكة واليمن على نحو سبع مراحل من مكة (تهذيب الأسماء واللغات للنووي 3 / 176) .
قَال: " أَوَّل مَنْ أَعْطَى الْجِزْيَةَ أَهْل نَجْرَانَ وَكَانُوا نَصَارَى (1) ".
وَذَكَرَ ابْنُ الْقَيِّمِ فِي زَادِ الْمَعَادِ: لَمَّا نَزَلَتْ آيَةُ الْجِزْيَةِ أَخَذَهَا - أَيْ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنَ الْمَجُوسِ وَأَخَذَهَا مِنْ أَهْل الْكِتَابِ وَأَخَذَهَا مِنَ النَّصَارَى (2) . وَيَقْصِدُ مَجُوسَ الْبَحْرَيْنِ (3) أَوْ مَجُوسَ هَجَرَ (4) .
رَوَى الْبُخَارِيُّ - بِسَنَدِهِ - إِلَى الْمِسْوَرِ بْنِ مَخْرَمَةَ قَال: إِنَّ عَمْرَو بْنَ عَوْفٍ الأَْنْصَارِيَّ وَهُوَ حَلِيفٌ لِبَنِي عَامِرِ بْنِ لُؤَيٍّ، وَكَانَ شَهِدَ بَدْرًا أَخْبَرَهُ أَنَّ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعَثَ أَبَا عُبَيْدَة إِلَى الْبَحْرَيْنِ يَأْتِي بِجِزْيَتِهَا، وَكَانَ رَسُول اللَّهِ هُوَ صَالَحَ أَهْل الْبَحْرَيْنِ، وَأَمَّرَ عَلَيْهِمُ الْعَلاَءَ بْنَ الْحَضْرَمِيِّ (5) .
وَبَعْدَ أَنْ أَخَذَهَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ نَصَارَى نَجْرَانَ
__________
(1) حديث: " أول من أعطى الجزية أهل نجران وكانوا نصارى " أخرجه أبو عبيد في الأموال (41 ط دار الفكر) مرسلا.
(2) زاد المعاد 2 / 88.
(3) كان المراد بالبحرين في ذلك العهد ما بين عمان إلى البصرة (معجم البلدان لياقوت 1 / 347، وتهذيب الأسماء 3 / 37، واللسان 1 / 66) .
(4) هجر (بفتح الهاء والجيم) : اسم بلد بالبحرين، وتعتبر هجر قاعدة البحرين، وقيل: ناحية البحرين كلها هجر. (معجم البلدان 5 / 393) .
(5) حديث: " كان رسول الله هو صالح أهل البحرين، وأمر عليهم العلاء الحضرمي ". أخرجه البخاري (4 / 117 ط عيسى صبيح) من حديث المسور بن مخرمة.

الصفحة 154