كتاب الموسوعة الفقهية الكويتية (اسم الجزء: 15)

إِلاَّ أَنَّ الْمَالِكِيَّةَ مَنَعُوا أَنْ يَشْتَرِطَ الْبَائِعُ الثَّمَرَ غَيْرَ الْمُؤَبَّرِ، وَذَلِكَ لأَِنَّ اشْتِرَاطَهُ لَهُ بِمَنْزِلَةِ شِرَائِهِ لَهُ قَبْل بُدُوِّ صَلاَحِهِ بِشَرْطِ التَّرْكِ، وَهُوَ غَيْرُ جَائِزٍ.
وَاسْتَدَل الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ لِمَا ذَهَبُوا إِلَيْهِ مِنْ جَوَازِ اشْتِرَاطِ الْبَائِعِ الثَّمَرَ غَيْرَ الْمُؤَبَّرِ، بِأَنَّهُ اسْتَثْنَى بَعْضَ مَا وَقَعَ عَلَيْهِ الْعَقْدُ وَهُوَ مَعْلُومٌ، فَصَحَّ كَمَا لَوْ بَاعَ بُسْتَانًا وَاسْتَثْنَى نَخْلَةً بِعَيْنِهَا، وَلأَِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ الثُّنْيَا إِلاَّ أَنْ تُعْلَمَ (1) وَلأَِنَّهُ أَحَدُ الْمُتَبَايِعَيْنِ فَصَحَّ اشْتِرَاطُهُ لِلثَّمَرَةِ كَالْمُشْتَرِي وَقَدْ ثَبَتَ الأَْصْل بِالاِتِّفَاقِ عَلَيْهِ وَبِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلاَّ أَنْ يَشْتَرِطَهَا الْمُبْتَاعُ.
15 - ثُمَّ إِنَّ الْجُمْهُورَ اخْتَلَفُوا فِيمَا بَيْنَهُمْ فِي حَالَةِ مَا إِذَا أُبِّرَ بَعْضُ الشَّجَرِ دُونَ بَعْضٍ:
فَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ إِلَى أَنَّهَا كُلَّهَا لِلْبَائِعِ كَمَا لَوْ أُبِّرَتْ كُلُّهَا لِمَا فِي تَتَبُّعِ ذَلِكَ مِنَ الْعُسْرِ، وَلأَِنَّا إِذَا لَمْ نَجْعَل الْكُل لِلْبَائِعِ أَدَّى إِلَى الإِْضْرَارِ بِاشْتِرَاكِ الأَْيْدِي فِي الْبُسْتَانِ، فَيَجِبُ أَنْ يُجْعَل مَا لَمْ يُؤَبَّرْ تَبَعًا لِمَا أُبِّرَ، كَثَمَرَةِ النَّخْلَةِ الْوَاحِدَةِ، فَإِنَّهُ لاَ خِلاَفَ فِي أَنَّ تَأْبِيرَ بَعْضِ النَّخْلَةِ يَجْعَل جَمِيعَ ثَمَرِهَا لِلْبَائِعِ.
وَذَهَبَ الْحَنَابِلَةُ إِلَى أَنَّ مَا أُبِّرَ فَلِلْبَائِعِ وَمَا لَمْ
__________
(1) حديث: " نهى عن الثنيا إلا أن تعلم " أخرجه النسائي (7 / 296 - ط المكتبة التجارية) من حديث جابر بن عبد الله. وأخرجه مسلم (3 / 1175 - ط الحلبي) دون قوله " إلا أن تعلم "
يُؤَبَّرْ فَلِلْمُشْتَرِي، سَوَاءٌ كَانَ مِنْ نَوْعِ مَا تَشَقَّقَ أَوْ غَيْرِهِ.
وَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ إِلَى التَّفْرِيقِ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ الْمُؤَبَّرُ النِّصْفَ وَمَا قَارَبَهُ، وَبَيْنَ أَنْ يَكُونَ أَقَل أَوْ أَكْثَرَ مِنَ النِّصْفِ، فَإِنْ كَانَ الْمُؤَبَّرُ أَكْثَرَ مِنَ النِّصْفِ فَهِيَ لِلْبَائِعِ، وَالْعَقْدُ حِينَئِذٍ عَلَى الأُْصُول لاَ يَتَنَاوَل تِلْكَ الثَّمَرَةَ، وَالْقَوْل قَوْلُهُ فِي أَنَّ التَّأْبِيرَ كَانَ قَبْل الْعَقْدِ إِنْ نَازَعَهُ الْمُشْتَرِي وَادَّعَى حُدُوثَهُ بَعْدَهُ. وَإِنْ كَانَ الْمُؤَبَّرُ أَقَل مِنَ النِّصْفِ فَالثَّمَرَةُ لِلْمُشْتَرِي.
وَأَمَّا إِنْ كَانَ الْمُؤَبَّرُ النِّصْفَ أَوْ مَا قَارَبَهُ فَلِكُلٍّ حُكْمُهُ أَيْ إِنَّ مَا أُبِّرَ لِلْبَائِعِ، وَمَا لَمْ يُؤَبَّرْ لِلْمُشْتَرِي، وَهَذَا إِذَا كَانَ النِّصْفُ مُعَيَّنًا بِأَنْ كَانَ مَا أُبِّرَ فِي نَخَلاَتٍ بِعَيْنِهَا، وَمَا لَمْ يُؤَبَّرْ فِي نَخَلاَتٍ بِعَيْنِهَا. وَأَمَّا إِنْ كَانَ النِّصْفُ الْمُؤَبَّرُ شَائِعًا فِي كُل نَخْلَةٍ، وَكَذَلِكَ مَا لَمْ يُؤَبَّرْ شَائِعًا، فَفِيهِ عِنْدَهُمْ خَمْسَةُ أَقْوَالٍ: فَقِيل: كُلُّهُ لِلْبَائِعِ، وَقِيل: كُلُّهُ لِلْمُبْتَاعِ، وَقِيل: يُخَيَّرُ الْبَائِعُ فِي تَسْلِيمِهِ جَمِيعَ الثَّمَرَةِ وَفِي فَسْخِ الْبَيْعِ، وَقِيل: الْبَيْعُ مَفْسُوخٌ، وَقِيل: إِنَّ الْبَيْعَ لاَ يَجُوزُ إِلاَّ بِرِضَا أَحَدِهِمَا بِتَسْلِيمِ الْجَمِيعِ لِلآْخَرِ. قَال ابْنُ الْعَطَّارِ: وَهُوَ الَّذِي بِهِ الْقَضَاءُ. وَهَذَا هُوَ الَّذِي رَجَّحَهُ الشَّيْخُ الدُّسُوقِيُّ وَشَيْخُهُ الْعَدَوِيُّ.
16 - ثُمَّ إِنَّ الْفُقَهَاءَ قَدِ اخْتَلَفُوا فِي الْمَقْصُودِ بِالتَّأْبِيرِ هُنَا، فَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ إِلَى أَنَّ الْمَقْصُودَ بِالتَّأْبِيرِ هُنَا هُوَ بُرُوزُ جَمِيعِ الثَّمَرَةِ عَنْ مَوْضِعِهَا

الصفحة 17