كتاب الموسوعة الفقهية الكويتية (اسم الجزء: 15)

وَعَلَّلَهُ الْقَرَوِيُّونَ بِأَنَّ قُرَيْشًا أَسْلَمُوا كُلُّهُمْ قَبْل تَشْرِيعِ الْجِزْيَةِ، فَلَمْ يَبْقَ مِنْهُمْ أَحَدٌ عَلَى الشِّرْكِ، فَمَنْ وُجِدَ مِنْهُمْ بَعْدَ ذَلِكَ عَلَى الشِّرْكِ فَهُوَ مُرْتَدٌّ، فَلاَ تُؤْخَذُ مِنْهُ الْجِزْيَةُ (1) .

أَخْذُ الْجِزْيَةِ مِنَ الْمُرْتَدِّينَ:
32 - اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّهُ لاَ تُقْبَل الْجِزْيَةُ مِنَ الْمُرْتَدِّ عَنِ الإِْسْلاَمِ (2) .

الأَْمَاكِنُ الَّتِي يُقَرُّ الْكَافِرُونَ فِيهَا بِالْجِزْيَةِ

:
33 - اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى جَوَازِ إقْرَارِ أَهْل الْكِتَابِ وَالْمَجُوسِ بِالْجِزْيَةِ فِي أَيِّ مَكَانٍ مِنْ دَارِ الإِْسْلاَمِ مَا عَدَا جَزِيرَةَ الْعَرَبِ: وَهِيَ مِنْ أَقْصَى عَدَنِ أَبْيَنَ جَنُوبًا إلَى أَطْرَافِ الشَّامِ شَمَالاً، وَمِنْ جُدَّةَ وَمَا وَالاَهَا مِنْ سَاحِل الْبَحْرِ غَرْبًا إلَى رِيفِ الْعِرَاقِ شَرْقًا (3) . كَمَا اتَّفَقُوا عَلَى عَدَمِ جَوَازِ إقْرَارِهِمْ فِي بِلاَدِ الْحِجَازِ وَهِيَ: مَكَّةُ وَالْمَدِينَةُ وَالْيَمَامَةُ وَمَخَالِيفُهَا (4) .
وَاخْتَلَفُوا فِي إِقْرَارِهِمْ بِالْجِزْيَةِ فِيمَا عَدَا بِلاَدِ الْحِجَازِ مِنْ جَزِيرَةِ الْعَرَبِ كَالْيَمَنِ وَغَيْرِهَا.
__________
(1) الكافي 1 / 479، ومواهب الجليل 3 / 381.
(2) العيني: عمدة القاري 14 / 264، والشوكاني: نيل الأوطار 7 / 219، البهوتي: كشاف القناع 3 / 118، والشيرازي: المهذب مع المجموع 18 / 198.
(3) فتح القدير 5 / 301.
(4) تهذيب الأسماء واللغات 3 / 80.
فَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ إِلَى عَدَمِ جَوَازِ إِقْرَارِهِمْ بِالْجِزْيَةِ فِيمَا عَدَا بِلاَدَ الْحِجَازِ مِنْ جَزِيرَةِ الْعَرَبِ؛ لأَِنَّهُمْ مَمْنُوعُونَ مِنَ السُّكْنَى فِي جَزِيرَةِ الْعَرَبِ كُلِّهَا (1) .
وَاسْتَدَلُّوا لِذَلِكَ بِحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَال: أَوْصَى رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عِنْدَ مَوْتِهِ بِثَلاَثٍ: أَخْرِجُوا الْمُشْرِكِينَ مِنْ جَزِيرَةِ الْعَرَبِ، وَأَجِيزُوا الْوَفْدَ بِنَحْوِ مَا كُنْتُ أُجِيزُهُمْ، وَنَسِيتُ الثَّالِثَةَ (2) . وَقَال يَعْقُوبُ بْنُ مُحَمَّدٍ سَأَلْتُ الْمُغِيرَةَ بْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ جَزِيرَةِ الْعَرَبِ، فَقَال: مَكَّةُ وَالْمَدِينَةُ وَالْيَمَامَةُ وَالْيَمَنُ، وَقَال يَعْقُوبُ: وَالْعَرْجُ أَوَّل تِهَامَةَ.
فَقَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَخْرِجُوا الْمُشْرِكِينَ مِنْ جَزِيرَةِ الْعَرَبِ يَدُل عَلَى وُجُوبِ إِخْرَاجِ الْمُشْرِكِينَ مِنْ جَزِيرَةِ الْعَرَبِ كُلِّهَا. وَهُوَ عَامٌّ فِي كُل مُشْرِكٍ سَوَاءٌ أَكَانَ وَثَنِيًّا، أَمْ يَهُودِيًّا، أَمْ نَصْرَانِيًّا، أَمْ مَجُوسِيًّا.
وَاسْتَدَلُّوا كَذَلِكَ أَنَّ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ قَال: كَانَ مِنْ آخِرِ مَا تَكَلَّمَ بِهِ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ
__________
(1) فتح القدير 5 / 301، حاشية ابن عابدين 4 / 203، الفتاوى الهندية 2 / 247، مواهب الجليل 3 / 381، منح الجليل 1 / 758، حاشية الخرشي 3 / 144، بلغة السالك 1 / 367، الزرقاني على مختصر خليل 2 / 141.
(2) حديث: أوصى عند موته بثلاث: أخرجوا المشركين من جزيرة العرب " أخرجه البخاري (فتح الباري 6 / 170 ط السلفية) ومسلم (3 / 1257 - 1258 ط عيسى الحلبي) .

الصفحة 173