كتاب الموسوعة الفقهية الكويتية (اسم الجزء: 15)

وَذَهَبَ أَبُو حَنِيفَةَ فِي رِوَايَةٍ نَقَلَهَا عَنْهُ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ، وَهُوَ قَوْل أَبِي يُوسُفَ وَأَحْمَدَ فِي رِوَايَةٍ إِلَى أَنَّ الْجِزْيَةَ تُوضَعُ عَلَى الرُّهْبَانِ إِذَا كَانُوا قَادِرِينَ عَلَى الْعَمَل. قَال أَبُو يُوسُفَ: " الْمُتَرَهِّبُونَ الَّذِينَ فِي الدِّيَارَاتِ إِذَا كَانَ لَهُمْ يَسَارٌ أُخِذَ مِنْهُمْ، وَإِنْ كَانُوا إِنَّمَا هُمْ مَسَاكِينُ يَتَصَدَّقُ عَلَيْهِمْ أَهْل الْيَسَارِ مِنْهُمْ لَمْ يُؤْخَذْ مِنْهُمْ، وَكَذَلِكَ أَهْل الصَّوَامِعِ إِنْ كَانَ لَهُمْ غِنًى وَيَسَارٌ، وَإِنْ كَانُوا قَدْ صَيَّرُوا مَا كَانَ لَهُمْ لِمَنْ يُنْفِقُهُ عَلَى الدِّيَارَاتِ وَمَنْ فِيهَا مِنَ الْمُتَرَهِّبِينَ وَالْقُوَّامِ أُخِذَتِ الْجِزْيَةُ مِنْهُمْ ".
وَقَدِ اسْتَدَل مَنْ قَيَّدَ أَخْذَ الْجِزْيَةِ مِنَ الرُّهْبَانِ بِالْقُدْرَةِ عَلَى الْعَمَل بِأَمْرَيْنِ:
الأَْوَّل - أَنَّ الْمُعْتَمِل إِذَا تَرَكَ الْعَمَل تُؤْخَذُ مِنْهُ الْجِزْيَةُ، فَكَذَلِكَ الرَّاهِبُ الْقَادِرُ عَلَى الْعَمَل.
وَالثَّانِي: أَنَّ الأَْرْضَ الْخَرَاجِيَّةَ الصَّالِحَةَ لِلزِّرَاعَةِ لاَ يَسْقُطُ عَنْهَا الْخَرَاجُ بِتَعْطِيل الْمَالِكِ لَهَا عَنِ الزِّرَاعَةِ، فَكَذَلِكَ الرَّاهِبُ الْقَادِرُ عَلَى الْعَمَل لاَ تَسْقُطُ عَنْهُ الْجِزْيَةُ إِذَا تَرَكَ الْعَمَل.
هَذَا بِالإِْضَافَةِ إِلَى الأَْدِلَّةِ الَّتِي اسْتَدَل بِهَا
أَصْحَابُ الْمَذْهَبِ الأَْوَّل عَلَى عَدَمِ أَخْذِ الْجِزْيَةِ مِنَ الرَّاهِبِ، فَقَدِ اسْتَدَل بِهَا أَصْحَابُ هَذَا الْمَذْهَبِ، وَحَمَلُوهَا عَلَى الرَّاهِبِ غَيْرِ الْمُعْتَمِل الَّذِي يَعِيشُ عَلَى صَدَقَاتِ الْمُوسِرِينَ (1) .
وَذَهَبَ الشَّافِعِيُّ فِي الْقَوْل الْمَعْمُول بِهِ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ وَأَبُو ثَوْرٍ إِلَى أَنَّ الْجِزْيَةَ تَجِبُ عَلَى الرُّهْبَانِ الَّذِينَ يَنْقَطِعُونَ لِلْعِبَادَةِ فِي الأَْدْيِرَةِ وَالصَّوَامِعِ، سَوَاءٌ أَكَانُوا مُوسِرِينَ أَوْ غَيْرَ مُوسِرِينَ، قَادِرِينَ عَلَى الْعَمَل أَمْ غَيْرَ قَادِرِينَ.
وَاسْتَدَلُّوا لِذَلِكَ بِعُمُومِ قَوْله تَعَالَى: {حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ (2) } فَهُوَ يَشْمَل الرُّهْبَانَ الْقَادِرِينَ عَلَى الْعَمَل وَغَيْرَ الْقَادِرِينَ، الْمُوسِرِينَ وَغَيْرَ الْمُوسِرِينَ. وَبِعُمُومِ الأَْحَادِيثِ الْقَاضِيَةِ بِأَخْذِ الْجِزْيَةِ مِنْ كُل بَالِغٍ كَحَدِيثِ مُعَاذٍ السَّابِقِ: أَمَرَهُ أَنْ يَأْخُذَ مِنْ كُل حَالِمٍ دِينَارًا. وَحَدِيثِ عُمَرَ السَّابِقِ: وَلاَ يَضْرِبُوهَا إِلاَّ عَلَى مَنْ جَرَتْ عَلَيْهِ الْمُوسَى، وَبِمَا رَوَى أَبُو عُبَيْدٍ وَغَيْرُهُ عَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ: " أَنَّهُ فَرَضَ عَلَى رُهْبَانِ الدِّيَارَاتِ عَلَى كُل رَاهِبٍ دِينَارَيْنِ ".
__________
(1) تبيين الحقائق 3 / 278، الهداية 2 / 161، فتح القدير 5 / 294 - 295، بدائع الصنائع 9 / 4331، الخراج لأبي يوسف ص 122، الرتاج المرصد على خزانة كتاب الخراج - 2 / 99 - 101، الإرشاد ببغداد - 1975 م، والجوهرة النيرة 2 / 351، الاختيار 4 / 138.
(2) سورة التوبة / 29.

الصفحة 180