كتاب الموسوعة الفقهية الكويتية (اسم الجزء: 15)
الْمَوْصِلِيُّ: " وَالْمُخْتَارُ أَنْ يُنْظَرَ فِي كُل بَلَدٍ إِلَى حَال أَهْلِهِ، وَمَا يَعْتَبِرُونَهُ فِي ذَلِكَ، فَإِنَّ عَادَةَ الْبِلاَدِ فِي ذَلِكَ مُخْتَلِفَةٌ ". (1)
46 - وَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ إِلَى أَنَّ الْجِزْيَةَ ضَرْبَانِ: صُلْحِيَّةٌ، وَعَنْوِيَّةٌ:
فَالضَّرْبُ الأَْوَّل: الْجِزْيَةُ الصُّلْحِيَّةُ: وَهِيَ الَّتِي عُقِدَتْ مَعَ الَّذِينَ مَنَعُوا أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ وَبِلاَدَهُمْ مِنْ أَنْ يَسْتَوْلِيَ عَلَيْهَا الْمُسْلِمُونَ بِالْقِتَال، وَهِيَ تَتَقَدَّرُ بِحَسَبِ مَا يَتَّفِقُ عَلَيْهِ الطَّرَفَانِ. وَلاَ حَدَّ لأَِقَلِّهَا وَلاَ أَكْثَرِهَا عِنْدَ بَعْضِ الْمَالِكِيَّةِ، وَاسْتَظْهَرَ ابْنُ رُشْدٍ أَنَّ الصُّلْحِيَّ إِنْ بَذَل الْقَدْرَ الَّذِي عَلَى الْعَنْوِيِّ أَنَّهُ يَلْزَمُ الإِْمَامَ أَنْ يَقْبَلَهُ مِنْهُ، وَيَحْرُمُ عَلَى الإِْمَامِ أَنْ يُقَاتِلَهُ. وَاسْتَدَلُّوا بِأَدِلَّةِ الْحَنَفِيَّةِ السَّابِقَةِ.
وَالضَّرْبُ الثَّانِي: الْجِزْيَةُ الْعَنْوِيَّةُ: وَهِيَ الَّتِي تُفْرَضُ عَلَى أَهْل الْبِلاَدِ الْمَفْتُوحَةِ عَنْوَةً، وَتُقَدَّرُ بِأَرْبَعَةِ دَنَانِيرَ عَلَى أَهْل الذَّهَبِ، وَأَرْبَعِينَ دِرْهَمًا عَلَى أَهْل الْفِضَّةِ، بِلاَ زِيَادَةٍ وَلاَ نُقْصَانٍ. وَنَحْوُ هَذَا رِوَايَةٌ عَنْ أَحْمَدَ فِيهَا أَنَّهَا عَلَى الْغَنِيِّ ثَمَانِيَةٌ وَأَرْبَعُونَ دِرْهَمًا وَعَلَى الْوَسَطِ أَرْبَعَةٌ وَعِشْرُونَ، وَعَلَى الْفَقِيرِ اثْنَا عَشَرَ، وَهَذِهِ اخْتِيَارُ الْخِرَقِيِّ، وَيُرْجَعُ إِلَى الْعُرْفِ مِنَ الْغِنَى وَالْفَقْرِ.
وَقَدِ اسْتَدَلُّوا لِذَلِكَ بِمَا رَوَى الإِْمَامُ مَالِكٌ عَنْ
__________
(1) فتح القدير 5 / 291، الاختيار 4 / 137، وحاشية ابن عابدين 4 / 197.
نَافِعٍ عَنْ أَسْلَمَ مَوْلَى عُمَرَ أَنَّ عُمَرَ ضَرَبَ الْجِزْيَةَ عَلَى أَهْل الذَّهَبِ أَرْبَعَةَ دَنَانِيرَ، وَعَلَى أَهْل الْوَرِقِ أَرْبَعِينَ دِرْهَمًا، وَمَعَ ذَلِكَ أَرْزَاقُ الْمُسْلِمِينَ، وَضِيَافَةُ ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ. قَال الْبَاجِيُّ الْمُرَادُ بِأَرْزَاقِ الْمُسْلِمِينَ أَقْوَاتُ مَنْ عِنْدَهُمْ مِنْ أَجْنَادِ الْمُسْلِمِينَ، وَالْمُرَادُ بِالضِّيَافَةِ ضِيَافَةُ الْمُجْتَازِ مِنَ الْمُسْلِمِينَ عَلَى أَهْل الذِّمَّةِ.
وَهُوَ يَقْتَضِي أَنَّهُ قَدَّرَهَا بِهَذَا الْمِقْدَارِ وَذَلِكَ لِمَا رَآهُ مِنَ الاِجْتِهَادِ وَالنَّظَرِ لِلْمُسْلِمِينَ وَاحْتِمَال أَحْوَال أَهْل الْجِزْيَةِ. (1) وَأَمَّا أَرْزَاقُ الْمُسْلِمِينَ وَالضِّيَافَةُ، فَقَدْ قَال مَالِكٌ: " أَرَى أَنْ تُوضَعَ عَنْهُمُ الْيَوْمَ الضِّيَافَةُ وَالأَْرْزَاقُ، لِمَا حَدَثَ عَلَيْهِمْ مِنَ الْجَوْرِ "، وَذَلِكَ سَدًّا لِلذَّرِيعَةِ، وَنَقَل الدُّسُوقِيُّ عَنِ الْبَاجِيِّ وَأَقَرَّهُ أَنَّهُ إِنِ انْتَفَى الظُّلْمُ فَلاَ تَسْقُطُ. (2)
47 - وَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ وَهُوَ رِوَايَةُ يَعْقُوبَ بْنِ بُخْتَانَ عَنْ أَحْمَدَ إِلَى أَنَّ أَقَل الْجِزْيَةِ دِينَارٌ ذَهَبِيٌّ خَالِصٌ، وَلاَ حَدَّ لأَِكْثَرِهَا، فَلاَ يَجُوزُ لِلإِْمَامِ التَّرَاضِي مَعَ أَهْل الذِّمَّةِ عَلَى أَقَل مِنْ دِينَارٍ فِي حَالَةِ الْقُوَّةِ، وَتَجُوزُ الزِّيَادَةُ عَلَى الدِّينَارِ، بَل تُسْتَحَبُّ الْمُمَاكَسَةُ فِي الزِّيَادَةِ: بِأَنْ يَطْلُبَ مِنْهُمْ
__________
(1) القوانين الفقهية ص 175، بداية المجتهد 1 / 404، المقدمات لابن رشد 1 / 395، حاشية الخرشي 3 / 145، بلغة السالك 1 / 367، حاشية الدسوقي 2 / 201، الموطأ مع تنوير الحوالك 1 / 264، والمنتقى 2 / 173.
(2) حاشية الدسوقي 2 / 202، بلغة السالك 1 / 367.
الصفحة 185