كتاب الموسوعة الفقهية الكويتية (اسم الجزء: 15)

طُهْرِهِنَّ، وَكَذَلِكَ الْمَفْهُومُ مِنْ قَوْل الْقَائِل لاَ تُعْطِ زَيْدًا حَتَّى يَدْخُل الدَّارَ، مَنْعُ الإِْعْطَاءِ إِلاَّ بَعْدَ دُخُولِهِ، فَثَبَتَ بِذَلِكَ أَنَّ الآْيَةَ مُوجِبَةٌ لِقِتَال أَهْل الْكِتَابِ مُزِيلَةٌ ذَلِكَ عَنْهُمْ بِإِعْطَاءِ الْجِزْيَةِ وَهَذَا يَدُل عَلَى أَنَّ الْجِزْيَةَ وَجَبَتْ بِعَقْدِ الذِّمَّةِ (1) .
وَلِقَوْل النُّعْمَانِ بْنِ مُقَرِّنٍ: أَمَرَنَا نَبِيُّنَا رَسُول رَبِّنَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ نُقَاتِلَكُمْ حَتَّى تَعْبُدُوا اللَّهَ وَحْدَهُ أَوْ تُؤَدُّوا الْجِزْيَةَ (2) فَوَقْتُ وُجُوبِ أَدَاءِ الْجِزْيَةِ عَقِبَ الْعَقْدِ مُبَاشَرَةً.
وَلأَِنَّ الْجِزْيَةَ وَجَبَتْ بَدَلاً عَنِ الْقَتْل فِي حَقِّهِمْ، فَتَجِبُ فِي الْحَال كَالْوَاجِبِ بِالصُّلْحِ عَنْ دَمِ الْعَمْدِ. وَلأَِنَّ الْمُعَوَّضَ قَدْ سُلِّمَ لَهُمْ، فَوَجَبَ أَنْ يُسْتَحَقَّ الْعِوَضُ عَلَيْهِمْ كَالثَّمَنِ. وَلأَِنَّ الْجِزْيَةَ وَجَبَتْ بَدَلاً مِنَ النُّصْرَةِ فِي حَقِّنَا، وَهِيَ لاَ تَتَحَقَّقُ فِي الْمَاضِي، وَإِنَّمَا تَتَحَقَّقُ فِي الْمُسْتَقْبَل؛ لأَِنَّ نُصْرَةَ الْمَاضِي يُسْتَغْنَى عَنْهَا بِانْقِضَائِهِ. فَإِذَا تَعَذَّرَ إِيجَابُ الْجِزْيَةِ بَعْدَ الْحَوْل تَجِبُ فِي أَوَّلِهِ. (3)

تَعْجِيل الْجِزْيَةِ:
52 - الْمَقْصُودُ بِتَعْجِيل الْجِزْيَةِ: اسْتِيفَاؤُهَا مِمَّنْ
__________
(1) أحكام القرآن للجصاص 3 / 100.
(2) سبق تخريج الحديث. فقرة / 10.
(3) الاختيار 4 / 137، فتح القدير 5 / 298، العناية على الهداية على هامش فتح القدير 5 / 298.
وَجَبَتْ عَلَيْهِ قَبْل وَقْتِ وُجُوبِهَا بِسَنَةٍ أَوْ سَنَتَيْنِ أَوْ أَكْثَرَ، فَهَل يَجُوزُ لِلإِْمَامِ أَنْ يَسْتَعْجِل أَخْذَ الْجِزْيَةِ أَوْ يَسْتَسْلِفَهَا؟
اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي ذَلِكَ:
فَذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ وَالْمَالِكِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ فِي وَجْهٍ، إِلَى جَوَازِ تَعْجِيلِهَا لِسَنَةٍ أَوْ سَنَتَيْنِ أَوْ أَكْثَرَ بِرِضَا أَهْل الذِّمَّةِ، وَيَجُوزُ اشْتِرَاطُ تَعْجِيلِهَا وَذَلِكَ لأَِنَّهَا كَالْخَرَاجِ، وَلأَِنَّهَا عِوَضٌ عَنْ حَقْنِ دِمَائِهِمْ فَأَشْبَهَتِ الأُْجْرَةَ.
وَذَهَبَ الْحَنَابِلَةُ وَالشَّافِعِيَّةُ فِي وَجْهٍ إِلَى عَدَمِ جَوَازِ اشْتِرَاطِ تَعْجِيلِهَا، وَيَجُوزُ تَعْجِيلُهَا بِرِضَا أَهْل الذِّمَّةِ. وَاسْتَدَلُّوا بِقِيَاسِ الْجِزْيَةِ عَلَى الزَّكَاةِ، فَلاَ يَجُوزُ لِلإِْمَامِ أَنْ يَسْتَسْلِفَ الزَّكَاةَ إِلاَّ بِرِضَا رَبِّ الْمَال، بَل الْجِزْيَةُ أَوْلَى بِالْمَنْعِ، لأَِنَّهَا تَتَعَرَّضُ لِلسُّقُوطِ قَبْل الْحَوْل وَبَعْدَهُ، فَتَسْقُطُ بِالإِْسْلاَمِ وَالْمَوْتِ أَثْنَاءَ السَّنَةِ وَتَتَدَاخَل بِالاِجْتِمَاعِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ (1) .

تَأْخِيرُ الْجِزْيَةِ:
53 - إِذَا تَأَخَّرَ الذِّمِّيُّ عَنْ أَدَاءِ الْجِزْيَةِ فِي وَقْتِهَا الْمُحَدَّدِ فَإِمَّا أَنْ يَكُونَ مُوسِرًا، وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ مُعْسِرًا.
__________
(1) الاختيار 4 / 139، مواهب الجليل 3 / 382، روضة الطالبين 10 / 313، المبدع 3 / 412، الإنصاف 4 / 229، أحكام أهل الذمة لابن القيم 1 / 99.

الصفحة 189