كتاب الموسوعة الفقهية الكويتية (اسم الجزء: 15)

شُرُوعِهِ فِي الْعَمَل فَلاَ شَيْءَ لَهُ؛ لأَِنَّ الْجُعْل إِنَّمَا يُسْتَحَقُّ لِلْعَامِل بِتَمَامِ الْعَمَل، وَقَدْ فَوَّتَهُ بِاخْتِيَارِهِ، وَلَمْ يَحْصُل لِلْجَاعِل مَا أَرَادَهُ مِنَ الْعَقْدِ، وَسَوَاءٌ أَوَقَعَ الْبَعْضُ الَّذِي عَمِلَهُ مُسَلَّمًا لِلْجَاعِل كَبَعْضِ حَائِطٍ بَنَاهُ الْعَامِل - أَمْ لَمْ يَقَعْ مُسَلَّمًا لَهُ كَتَفْتِيشِ الْعَامِل عَلَى الْمَال الضَّائِعِ الْمُتَعَاقَدِ عَلَى رَدِّهِ.
وَبِمِثْلِهِ أَيْضًا قَال الْمَالِكِيَّةُ، فِيمَا عَدَا مَا سَبَقَ ذِكْرُهُ. مِنْ عَدَمِ جَوَازِ الْجِعَالَةِ عِنْدَهُمْ فِي كُل عَمَلٍ يَكُونُ لِلْجَاعِل فِيهِ مَنْفَعَةٌ قَبْل تَمَامِهِ.
وَيُسْتَثْنَى مِنْ ذَلِكَ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ: مَا لَوْ زَادَ الْجَاعِل فِي الْعَمَل وَلَمْ يَرْضَ الْعَامِل بِالزِّيَادَةِ فَفَسَخَ لِذَلِكَ، فَلَهُ أُجْرَةُ الْمِثْل عَلَى مَا سَبَقَ ذِكْرُهُ.
70 - أَمَّا إِنْ فَسَخَ الْجَاعِل الْعَقْدَ بَعْدَ شُرُوعِ الْعَامِل فِي الْعَمَل الْمُتَعَاقَدِ عَلَيْهِ فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُ - لِلْعَامِل فِيمَا عَمِل - أُجْرَةُ الْمِثْل عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ، وَهُوَ الأَْصَحُّ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ؛ لأَِنَّ عَدَمَ لُزُومِ عَقْدِ الْجِعَالَةِ يَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ لِلْجَاعِل حَقُّ فَسْخِهِ، وَإِذَا فُسِخَ لَمْ يَجِبِ الْمُسَمَّى كَسَائِرِ الْفُسُوخِ، إِلاَّ أَنَّ عَمَل الْعَامِل وَقَعَ مُقَوَّمًا فَلاَ يَضِيعُ عَلَيْهِ بِفَسْخِ غَيْرِهِ، فَيَرْجِعُ إِلَى بَدَلِهِ وَهُوَ أُجْرَةُ الْمِثْل، وَلاَ يَجُوزُ لِلْعَامِل أَنْ يُطَالِبَ بِنِسْبَةِ مَا عَمِل مِنَ الْجُعْل الْمُسَمَّى فِي الْعَقْدِ؛ لاِرْتِفَاعِ الْعَقْدِ بِالْفَسْخِ؛ وَلأَِنَّهُ إِنَّمَا يَسْتَحِقُّ الْجُعْل الْمُسَمَّى بِالْفَرَاغِ مِنَ الْعَمَل فَكَذَا بَعْضُهُ.
وَلاَ فَرْقَ فِي وُجُوبِ أُجْرَةِ الْمِثْل بَيْنَ أَنْ يَكُونَ مَا صَدَرَ مِنَ الْعَامِل لاَ يَحْصُل بِهِ مَقْصُودُ الْجَاعِل أَصْلاً كَرَدِّ الضَّالَّةِ إِلَى بَعْضِ الطَّرِيقِ أَوْ يَحْصُل بِهِ بَعْضُ مَقْصُودِهِ، كَمَا لَوْ قَال الْجَاعِل: إِنْ عَلَّمْتَ ابْنِي الْقُرْآنَ فَلَكَ كَذَا، فَعَلَّمَهُ بَعْضَهُ ثُمَّ مَنَعَهُ الْجَاعِل مِنْ تَعْلِيمِهِ.
وَقَال الْمَالِكِيَّةُ: لَيْسَ لِلْجَاعِل أَنْ يَفْسَخَ الْعَقْدَ بَعْدَ الشُّرُوعِ فِي الْعَمَل، فَإِنْ فَسَخَهُ فَلاَ أَثَرَ لِفَسْخِهِ؛ لأَِنَّ الْعَقْدَ لاَزِمٌ بِالنِّسْبَةِ لَهُ حِينَئِذٍ، فَيَسْتَحِقُّ الْعَامِل - مُعَيَّنًا كَانَ أَوْ غَيْرَ مُعَيَّنٍ - الْجُعْل الْمُسَمَّى بِشَرِيطَةِ أَنْ يُتِمَّ الْعَمَل.
وَلَوْ فَسَخَ الْعَقْدَ الْعَامِل وَالْجَاعِل مَعًا فَالرَّاجِحُ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ، عَدَمُ اسْتِحْقَاقِ الْعَامِل لِشَيْءٍ مِنَ الأُْجْرَةِ أَوِ الْجُعْل الْمُسَمَّى لاِجْتِمَاعِ الْمُقْتَضِي لِلاِسْتِحْقَاقِ وَهُوَ فَسْخُ الْجَاعِل، وَالْمَانِعِ مِنْهُ وَهُوَ فَسْخُ الْعَامِل، فَيَرْجِعُ الْمَانِعُ (1) .
وَلَمْ نَعْثُرْ لِغَيْرِ الشَّافِعِيَّةِ عَلَى شَيْءٍ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ الأَْخِيرَةِ.

مَا يَتَرَتَّبُ عَلَى فَسْخِ الْعَقْدِ بِعِتْقِ الْعَبْدِ الآْبِقِ:
71 - قَال الشَّافِعِيَّةُ: لَوْ أَعْتَقَ الْجَاعِل عَبْدَهُ
__________
(1) تحفة المحتاج 2 / 369، 370، وأسنى المطالب 2 / 442، ونهاية المحتاج 4 / 348، 349، ومغني المحتاج 2 / 433، وحاشية القليوبي على شرح المحلي للمنهاج 3 / 133، والخرشي 7 / 76، وحاشية الصاوي على الشرح الصغير 2 / 257، والمقدمات 2 / 307، وكشاف القناع 2 / 419.

الصفحة 237