كتاب الموسوعة الفقهية الكويتية (اسم الجزء: 15)

قَال الْحَنَفِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ: وَإِنْ أَرَادَ الْجُلُوسَ أَثْنَاءَ زِيَارَةِ الْقُبُورِ يَجْلِسُ بَعِيدًا أَوْ قَرِيبًا بِحَسَبِ مَرْتَبَتِهِ فِي حَال حَيَاتِهِ (1) . وَعِبَارَةُ الشَّافِعِيَّةِ: يَنْبَغِي لِلزَّائِرِ أَنْ يَدْنُوَ مِنَ الْقَبْرِ بِقَدْرِ مَا كَانَ يَدْنُو مِنْ صَاحِبِهِ فِي الْحَيَاةِ لَوْ زَارَهُ.
وَيَرَى الطَّحَاوِيُّ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ، وَنَسَبَ الْقَوْل إِلَى أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ جَوَازَ الْجُلُوسِ عَلَى الْقَبْرِ، وَهُوَ مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ الْمَالِكِيَّةُ أَيْضًا، لِمَا رُوِيَ أَنَّ عَلِيًّا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ كَانَ يَتَوَسَّدُ الْقَبْرَ، وَيَجْلِسُ عَلَيْهِ (2) .
قَال الطَّحَاوِيُّ: وَتَنْتَفِي الْكَرَاهَةُ مُطْلَقًا إِذَا كَانَ الْجُلُوسُ لِلْقِرَاءَةِ (3) .

الْجُلُوسُ فِي الْمَسْجِدِ لِلْقَضَاءِ:
23 - ذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ فِي الصَّحِيحِ مِنَ الْمَذْهَبِ، وَالْحَنَابِلَةُ إِلَى جَوَازِ جُلُوسِ الْقَاضِي فِي الْمَسْجِدِ لِلْحُكْمِ، وَالْجَامِعُ أَوْلَى؛ لأَِنَّهُ أَشْهَرُ، وَيَخْتَارُ مَسْجِدًا فِي وَسَطِ الْبَلَدِ؛ لِئَلاَّ يَبْعُدَ عَلَى قَاصِدِيهِ.
وَالدَّلِيل عَلَى ذَلِكَ أَنَّ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ
__________
(1) ابن عابدين 1 / 605.
(2) مواهب الجليل 2 / 252، وجواهر الإكليل 1 / 171 ط دار المعرفة، وابن عابدين 1 / 606.
(3) ابن عابدين 1 / 606، 607.
يَفْصِل بَيْنَ الْخُصُومِ فِي الْمَسْجِدِ، فَقَدْ رُوِيَ أَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ قَال: إِنَّمَا بُنِيَتِ الْمَسَاجِدُ لِذِكْرِ اللَّهِ وَلِلْحُكْمِ (1) وَلِئَلاَّ يَشْتَبِهَ عَلَى الْغُرَبَاءِ مَكَانُهُ. وَكَذَا الْخُلَفَاءُ الرَّاشِدُونَ بَعْدَهُ، وَكَانَ عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ لَهُ دَكَّةٌ فِي مَسْجِدِ الْكُوفَةِ.
وَصَرَّحَ الْمَالِكِيَّةُ بِأَنَّهُ إِذَا جَلَسَ لِلْقَضَاءِ فِي الْمَسْجِدِ، فَإِنَّهُ يَجْلِسُ بِغَيْرِ يَوْمِ عِيدِ فِطْرٍ أَوْ أَضْحَى، وَيُكْرَهُ جُلُوسُهُ يَوْمَ عِيدٍ؛ لأَِنَّهُ يَوْمُ فَرَحٍ وَسُرُورٍ، وَمُصَافَاةٍ لاَ يَوْمُ مُخَاصَمَةٍ. وَبِغَيْرِ يَوْمِ قُدُومِ الْحَاجِّ وَخُرُوجِهِ؛ لاِشْتِغَال النَّاسِ فِيهِ بِتَهْنِئَةِ الْقَادِمِينَ، أَوْ وَدَاعِ الْخَارِجِينَ، وَبِغَيْرِ يَوْمِ التَّرْوِيَةِ وَيَوْمِ عَرَفَةَ. وَرَوَى ابْنُ حَبِيبٍ مِنَ الْمَالِكِيَّةِ أَنَّ الْقَاضِيَ يَجْلِسُ بِرِحَابِ الْمَسْجِدِ الْخَارِجَةِ عَنْهُ وَاسْتَحْسَنَ صَاحِبُ جَوَاهِرِ الإِْكْلِيل هَذَا، مُسْتَدِلًّا بِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: جَنِّبُوا مَسَاجِدَكُمْ رَفْعَ أَصْوَاتِكُمْ وَخُصُومَاتِكُمْ (2) .
__________
(1) حديث: " إنما بنيت المساجد لذكر الله وللحكم " قال الزيلعي في نصب الراية (4 / 70 - ط دائرة المعارف العثمانية) : " غريب بهذا اللفظ، وأخرجه مسلم، ليس فيه الحكم " انتهى. وبدون هذه الزيادة هو في صحيح مسلم (1 / 237 - ط الحلبي) من حديث أنس.
(2) ابن عابدين 4 / 310، والاختيار 2 / 85، وجواهر الإكليل 2 / 223، 224، والمغني 9 / 44، 45، 46 وحديث: " جنبوا مساجدكم. . . . " أخرجه ابن ماجه (1 / 247 - ط الحلبي) من حديث واثلة بن الأسقع مطولا، وقال البوصيري: " إسناده ضعيف ".

الصفحة 273