كتاب الموسوعة الفقهية الكويتية (اسم الجزء: 15)

قَال: صَلَّى رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْمَدِينَةِ الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ جَمِيعًا وَالْمَغْرِبَ وَالْعِشَاءَ جَمِيعًا زَادَ مُسْلِمٌ مِنْ غَيْرِ خَوْفٍ وَلاَ سَفَرٍ (1) .
قَال كُلٌّ مِنَ الإِْمَامِ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ رَحِمَهُمَا اللَّهُ: أَرَى ذَلِكَ بِعُذْرِ الْمَطَرِ. وَلَمْ يَأْخُذِ الْجُمْهُورُ بِالرِّوَايَةِ الأُْخْرَى وَهِيَ قَوْلُهُ: " مِنْ غَيْرِ خَوْفٍ وَلاَ مَطَرٍ " لأَِنَّهَا تُخَالِفُ رِوَايَةَ الْجُمْهُورِ.
وَلأَِنَّهُ ثَبَتَ أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ وَابْنَ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ كَانَا يَجْمَعَانِ بِسَبَبِ الْمَطَرِ.
وَهُوَ قَوْل الْفُقَهَاءِ السَّبْعَةِ وَالأَْوْزَاعِيِّ (2) . إِلاَّ أَنَّ الْجُمْهُورَ اخْتَلَفُوا فِي مَسَائِل مِنْهَا:
1 - يَرَى الْمَالِكِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ أَنَّهُ لاَ يَجُوزُ الْجَمْعُ بَيْنَ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ بِسَبَبِ الْمَطَرِ وَنَحْوِهِ لِمَا رُوِيَ أَنَّ أَبَا سَلَمَةَ بْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ قَال: < إِنَّ مِنَ السُّنَّةِ إِذَا كَانَ يَوْمٌ مَطِيرٌ أَنْ يُجْمَعَ بَيْنَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ > (3) . وَلأَِنَّ الْمَشَقَّةَ فِي الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ أَشَدُّ لأَِجْل الظُّلْمَةِ.
__________
(1) حديث: " صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمدينة الظهر والعصر. . . " زاد مسلم " من غير خوف ولا سفر ". سبق تخريجه ف / 9.
(2) جواهر الإكليل 1 / 92، والقوانين الفقهية ص 87، والمجموع للإمام النووي 4 / 378، ومغني المحتاج 1 / 274، والمغني لابن قدامة 2 / 274.
(3) حديث: " إن من السنة إذا كان يوم مطير أن يجمع بين المغرب والعشاء " قال ابن حجر " ليس له أصل وإنما ذكره البهيقي (3 / 168 - ط دار المعرفة) عن ابن عمر موقوفا عليه ".
أَمَّا الشَّافِعِيَّةُ فَيَرَوْنَ أَنَّهُ يَجُوزُ الْجَمْعُ بَيْنَ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ كَذَلِكَ بِسَبَبِ الْمَطَرِ وَنَحْوِهِ، لِحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا الْمُتَقَدِّمِ ذِكْرُهُ وَلأَِنَّ الْعِلَّةَ هِيَ وُجُودُ الْمَطَرِ سَوَاءٌ أَكَانَ ذَلِكَ فِي اللَّيْل أَمْ فِي النَّهَارِ.
2 - أَنَّهُمُ اخْتَلَفُوا فِي حُكْمِ جَمْعِ التَّقْدِيمِ وَالتَّأْخِيرِ:
فَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ فِي الْجَدِيدِ إِلَى جَوَازِ جَمْعِ التَّقْدِيمِ فَقَطْ دُونَ جَمْعِ التَّأْخِيرِ لأَِنَّ اسْتِدَامَةَ الْمَطَرِ لَيْسَتْ مُؤَكَّدَةً، فَقَدْ يَنْقَطِعُ الْمَطَرُ فَيُؤَدِّي إِلَى إِخْرَاجِ الصَّلاَةِ عَنْ وَقْتِهَا مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ.
وَذَهَبَ الْحَنَابِلَةُ إِلَى جَوَازِ جَمْعِ التَّأْخِيرِ بِسَبَبِ الْمَطَرِ كَالسَّفَرِ، وَإِلَى هَذَا ذَهَبَ الإِْمَامُ الشَّافِعِيُّ فِي الْقَدِيمِ (1) .
3 - يَشْتَرِطُ الْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ لِلْجَمْعِ بِسَبَبِ الْمَطَرِ الْبُدَاءَةُ بِالأُْولَى مِنَ الصَّلاَتَيْنِ وَنِيَّةُ الْجَمْعِ بَيْنَهُمَا وَالْمُوَالاَةُ عَلَى التَّفْصِيل الَّذِي سَبَقَ فِي الْجَمْعِ بِسَبَبِ السَّفَرِ (ف 3) .
وَهُنَاكَ شُرُوطٌ أُخْرَى اشْتَرَطَهَا الْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ لِلْجَمْعِ بِسَبَبِ الْمَطَرِ مِنْهَا:
__________
(1) بداية المجتهد 1 / 177، وجواهر الإكليل 1 / 92، والمجموع للإمام النووي 4 / 378، والسراج الوهاج ص 83، ومغني المحتاج 1 / 274، والمغني لابن قدامة 2 / 274.

الصفحة 290