كتاب الموسوعة الفقهية الكويتية (اسم الجزء: 15)

وَلاَ يَسْقُطُ حَقُّ حَبْسِ الْبَائِعِ لِلْمَبِيعِ، وَلَوْ أَخَذَ بِالثَّمَنِ كَفِيلاً أَوْ رَهَنَ الْمُشْتَرِي بِهِ رَهْنًا؛ لأَِنَّ هَذَا وَثِيقَةٌ بِالثَّمَنِ فَلاَ يَسْقُطُ حَقُّهُ عَنْ حَبْسِ الْمَبِيعِ لاِسْتِيفَاءِ الثَّمَنِ. (1)
37 - الاِتِّجَاهُ الثَّانِي: يَلْزَمُ الْبَائِعَ تَسَلُّمُ الْمَبِيعِ أَوَّلاً.
وَهُوَ الْمَذْهَبُ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ وَأَحَدُ أَقْوَال الشَّافِعِيَّةِ، لأَِنَّ حَقَّ الْمُشْتَرِي فِي الْعَيْنِ وَحَقَّ الْبَائِعِ فِي الذِّمَّةِ، فَيُقَدَّمُ مَا يَتَعَلَّقُ بِالْعَيْنِ، وَهَذَا كَأَرْشِ الْجِنَايَةِ مَعَ غَيْرِهِ مِنَ الدُّيُونِ.
وَلأَِنَّ مِلْكَ الْبَائِعِ لِلثَّمَنِ مُسْتَقِرٌّ، لأَِمْنِهِ مِنْ هَلاَكِهِ وَنُفُوذِ تَصَرُّفِهِ فِيهِ بِالْحَوَالَةِ وَالاِعْتِيَاضِ، وَمِلْكُ الْمُشْتَرِي لِلْمَبِيعِ غَيْرُ مُسْتَقِرٍّ، فَعَلَى الْبَائِعِ تَسْلِيمُهُ لِيَسْتَقِرَّ. (2)
38 - الاِتِّجَاهُ الثَّالِثُ: أَنْ يُسَلِّمَ الْبَائِعُ وَالْمُشْتَرِي مَعًا.
وَهُوَ أَحَدُ أَقْوَال الشَّافِعِيَّةِ.
فَالْبَائِعُ وَالْمُشْتَرِي إِذَا تَرَافَعَا إِلَى حَاكِمٍ يُجْبَرَانِ؛ لأَِنَّ التَّسْلِيمَ وَاجِبٌ عَلَيْهِمَا، فَيُلْزِمُ الْحَاكِمُ كُلًّا مِنْهُمَا بِإِحْضَارِ مَا عَلَيْهِ إِلَيْهِ، أَوْ إِلَى
__________
(1) فتح القدير 5 / 108 - 109، والشلبي على تبيين الحقائق 4 / 14.
(2) مغني المحتاج 2 / 74، وتحفة المحتاج 4 / 420، والروض وأسنى المطالب عليه 2 / 89، وبدائع الصنائع 7 / 3260، والشرح الكبير لابن قدامة 4 / 13، 113
عَدْلٍ، فَإِنْ فَعَل سَلَّمَ الثَّمَنَ لِلْبَائِعِ وَالْمَبِيعَ لِلْمُشْتَرِي، يَبْدَأُ بِأَيِّهِمَا شَاءَ. (1)
39 - الاِتِّجَاهُ الرَّابِعُ: إِذَا اخْتَلَفَ الْبَائِعُ وَالْمُشْتَرِي، وَتَرَافَعَا إِلَى حَاكِمٍ، فَلاَ إِجْبَارَ أَوَّلاً، وَعَلَى هَذَا يَمْنَعُهُمَا الْحَاكِمُ مِنَ التَّخَاصُمِ، فَمَنْ سَلَّمَ أُجْبِرَ صَاحِبُهُ عَلَى التَّسْلِيمِ، وَهُوَ أَحَدُ أَقْوَال الشَّافِعِيَّةِ.
وَذَلِكَ: لأَِنَّ كُلًّا مِنْهُمَا ثَبَتَ فِي حَقِّهِ إِيفَاءٌ وَاسْتِيفَاءٌ وَلاَ سَبِيل إِلَى تَكْلِيفِ الإِْيفَاءِ. (2)
وَتَرِدُ هَذِهِ الأَْقْوَال الأَْرْبَعَةُ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ فِيمَا إِذَا كَانَ الثَّمَنُ حَالًّا فِي الذِّمَّةِ بَعْدَ لُزُومِ الْعَقْدِ.
40 - وَقَيَّدَ الشَّافِعِيَّةُ الْحَبْسَ بِخَوْفِ الْفَوْتِ، فَقَالُوا: لِلْبَائِعِ حَبْسُ مَبِيعِهِ حَتَّى يَقْبِضَ ثَمَنَهُ الْحَال كُلَّهُ إِنْ خَافَ فَوْتَهُ بِلاَ خِلاَفٍ، وَكَذَا لِلْمُشْتَرِي حَبْسُ الثَّمَنِ الْمَذْكُورِ إِنْ خَافَ فَوْتَ الْمَبِيعِ بِلاَ خِلاَفٍ، لِمَا فِي التَّسْلِيمِ حِينَئِذٍ مِنَ الضَّرَرِ الظَّاهِرِ.
وَإِنَّمَا الأَْقْوَال السَّابِقَةُ فِيمَا إِذَا لَمْ يَخَفِ الْبَائِعُ فَوْتَ الثَّمَنِ، وَكَذَا الْمُشْتَرِي إِذَا لَمْ يَخَفْ فَوْتَ الْمَبِيعِ، وَتَنَازَعَا فِي مُجَرَّدِ الاِبْتِدَاءِ بِالتَّسْلِيمِ؛ لأَِنَّ
__________
(1) مغني المحتاج 2 / 74، وتحفة المحتاج 4 / 420، وبدائع الصنائع 7 / 2260، والشرح الكبير لابن قدامة 4 / 113.
(2) مغني المحتاج 2 / 74، وتحفة المحتاج 4 / 420

الصفحة 47