كتاب الموسوعة الفقهية الكويتية (اسم الجزء: 15)

يَفْعَل (1) } وَالتَّكَالِيفُ كُلُّهَا رَاجِعَةٌ إِلَى مَصَالِحِ الْعِبَادِ فِي دُنْيَاهُمْ وَأُخْرَاهُمْ وَاللَّهُ غَنِيٌّ عَنْ عِبَادَةِ الْكُل، لاَ تَنْفَعُهُ طَاعَةُ الطَّائِعِينَ، وَلاَ تَضُرُّهُ مَعْصِيَةُ الْعَاصِينَ (2) .، وَقَدْ أَجْرَى اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَحْكَامَهُ فِي الدُّنْيَا عَلَى أَسْبَابٍ رَبَطَهَا بِهَا، لِيَعْرِفَ الْعِبَادُ بِالأَْسْبَابِ أَحْكَامَهَا، فَيُسَارِعُوا بِذَلِكَ إِلَى طَاعَتِهِ وَاجْتِنَابِ مَعْصِيَتِهِ، إِذَا وَقَفُوا عَلَى الأَْسْبَابِ، فَأَمَرَ الْمُكَلَّفِينَ كُلَّهُمْ وَنَهَاهُمْ، وَقَدْ وَعَدَ مَنْ أَطَاعَهُ بِالثَّوَابِ، وَتَوَعَّدَ مَنْ عَصَاهُ بِالْعِقَابِ (3) .

مَنْ يَسْتَحِقُّ الثَّوَابَ:
5 - لاَ خِلاَفَ فِي أَنَّ الْمُكَلَّفَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ يُثَابُ عَلَى الطَّاعَاتِ، وَيُعَاقَبُ عَلَى الْمَعَاصِي إِلاَّ أَنْ يَشْمَلَهُ اللَّهُ بِعَفْوِهِ؛ لأَِنَّ الْمُكَلَّفَ هُوَ الْمُخَاطَبُ بِالتَّكَالِيفِ الشَّرْعِيَّةِ مِنْ أَوَامِرَ وَنَوَاهٍ وَهِيَ الَّتِي يَتَرَتَّبُ عَلَيْهَا الثَّوَابُ وَالْعِقَابُ (4) .
6 - أَمَّا غَيْرُ الْمُكَلَّفِينَ كَالصِّبْيَانِ وَالْمَجَانِينِ فَالأَْصْل أَنَّهُمْ غَيْرُ مُخَاطَبِينَ بِالتَّكَالِيفِ الشَّرْعِيَّةِ،
__________
(1) سورة الأنبياء / 23.
(2) فتح الباري 3 / 229، وصحيح مسلم بشرح النووي 17 / 160.
(3) قواعد الأحكام 1 / 14، 2 / 63، والفروق للقرافي 2 / 3، 3 / 193.
(4) التلويح 2 / 122، والأحكام للآمدي 1 / 147 - 148، والمستصفى 1 / 90، وقواعد الأحكام 1 / 114، والفروق 3 / 193.
غَيْرَ أَنَّ الصَّبِيَّ الْمُمَيِّزَ أَهْلٌ لِلثَّوَابِ لِمَا لَهُ مِنْ قُدْرَةٍ قَاصِرَةٍ، وَتَصِحُّ عِبَادَتُهُ مِنْ صَلاَةٍ، وَصَوْمٍ، وَاعْتِكَافٍ، وَحَجٍّ، وَغَيْرِ ذَلِكَ وَيُكْتَبُ لَهُ ثَوَابُ مَا يَعْمَلُهُ، وَالدَّلِيل عَلَى صِحَّةِ عِبَادَتِهِ قَوْل النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مُرُوا أَوْلاَدَكُمْ بِالصَّلاَةِ وَهُمْ أَبْنَاءُ سَبْعِ سِنِينَ وَاضْرِبُوهُمْ عَلَيْهَا وَهُمْ أَبْنَاءُ عَشْرِ سِنِينَ (1) وَحَدِيثُ صَلاَةِ ابْنِ عَبَّاسٍ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَال: بِتُّ فِي بَيْتِ خَالَتِي مَيْمُونَةَ فَصَلَّى رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْعِشَاءَ، ثُمَّ جَاءَ فَصَلَّى أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ، ثُمَّ نَامَ، ثُمَّ قَامَ فَجِئْتُ فَقُمْتُ عَنْ يَسَارِهِ، فَجَعَلَنِي عَنْ يَمِينِهِ (2) وَحَدِيثُ تَصْوِيمِ الصَّحَابَةِ الصِّبْيَانَ يَوْمَ عَاشُورَاءَ. فَعَنِ الرُّبَيِّعِ بِنْتِ مُعَوِّذٍ قَالَتْ: أَرْسَل النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غَدَاةَ عَاشُورَاءَ إِلَى قُرَى الأَْنْصَارِ: مَنْ أَصْبَحَ مُفْطِرًا فَلْيُتِمَّ بَقِيَّةَ يَوْمِهِ، وَمَنْ أَصْبَحَ صَائِمًا فَلْيَصُمْ. قَالَتْ: فَكُنَّا نَصُومُهُ بَعْدُ وَنُصَوِّمُ صِبْيَانَنَا، وَنَجْعَل لَهُمُ اللُّعْبَةَ مِنَ الْعِهْنِ. فَإِذَا بَكَى أَحَدُهُمْ عَلَى الطَّعَامِ أَعْطَيْنَاهُ ذَاكَ حَتَّى يَكُونَ عِنْدَ الإِْفْطَارِ (3) ، وَقَدْ رَجَّحَ الْمَالِكِيَّةُ تَعَلُّقَ النَّدْبِ
__________
(1) حديث: " مروا أولادكم بالصلاة وهم أبناء سبع سنين واضربوهم عليها وهم أبناء عشر سنين ". أخرجه أبو داود (1 / 334 - تحقيق عزت عبيد دعاس) وحسنه النووي في رياض الصالحين (ص 171 ط الرسالة) .
(2) حديث صلاة ابن عباس مع النبي صلى الله عليه وسلم. أخرجه البخاري (الفتح 2 / 190 - ط السلفية) .
(3) حديث تصويم الصحابة الصبيان يوم عاشوراء. أخرجه البخاري (الفتح 4 / 200 ط السلفية) .

الصفحة 54