كتاب الموسوعة الفقهية الكويتية (اسم الجزء: 15)

اللَّهِ - عَلَى مَا يُؤَدِّي مِنْ طَاعَاتٍ، وَاجِبَةً كَانَتْ أَوْ مَنْدُوبَةً، وَعَلَى مَا يَتْرُكُ مِنْ مُحَرَّمَاتٍ وَمَكْرُوهَاتٍ. يَقُول اللَّهُ تَعَالَى: {فَمَنْ يَعْمَل مِثْقَال ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ وَمَنْ يَعْمَل مِثْقَال ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ (1) } ، وَيَقُول النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّ اللَّهَ لاَ يَظْلِمُ مُؤْمِنًا حَسَنَةً يُعْطَى بِهَا فِي الدُّنْيَا وَيُجْزَى بِهَا فِي الآْخِرَةِ لَكِنَّ فِعْل الْوَاجِبَاتِ وَالْمَنْدُوبَاتِ وَتَرْكَ الْمُحَرَّمَاتِ وَالْمَكْرُوهَاتِ لَيْسَ سَبَبًا فِي حَدِّ ذَاتِهِ - لِلثَّوَابِ - مَعَ أَنَّهُ قَدْ يَكُونُ الْفِعْل مُجْزِئًا وَمُبْرِئًا لِلذِّمَّةِ وَالتَّرْكُ كَافِيًا لِلْخُرُوجِ مِنَ الْعُهْدَةِ؛ لأَِنَّهُ يُشْتَرَطُ لِحُصُول الثَّوَابِ فِي الْفِعْل وَالتَّرْكِ نِيَّةُ امْتِثَال أَمْرِ اللَّهِ تَعَالَى. بَل إِنَّ الْمُبَاحَاتِ رَغْمَ أَنَّهَا لاَ تَفْتَقِرُ إِلَى نِيَّةٍ، لَكِنْ إِنْ أُرِيدَ بِهَا الثَّوَابُ بِجَعْلِهَا وَسِيلَةً لِلْعِبَادَةِ الْمَشْرُوعَةِ افْتَقَرَتْ إِلَى نِيَّةٍ (2) .
قَال الشَّاطِبِيُّ: الأَْعْمَال بِالنِّيَّاتِ، وَالْمَقَاصِدُ مُعْتَبَرَةٌ فِي التَّصَرُّفَاتِ مِنَ الْعِبَادَاتِ وَالْعَادَاتِ، وَالأَْدِلَّةُ عَلَى هَذَا الْمَعْنَى لاَ تَنْحَصِرُ، مِنْهَا قَوْله تَعَالَى: {وَمَا أُمِرُوا إِلاَّ لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ (3) } وَقَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّمَا الأَْعْمَال بِالنِّيَّاتِ،
__________
(1) سورة الزلزلة / 7، 8.
(2) الذخيرة / 62، 240، والموافقات للشاطبي وما بعدها 1 / 149 - 151، إلى 2 / 323 - 329، والفروق للقرافي 1 / 130، 2 / 50 - 51، والمنثور في القواعد 3 / 287 - 288.
(3) سورة البينة / 5.
وَإِنَّمَا لِكُل امْرِئٍ مَا نَوَى (1) . وَمِنَ الْقَوَاعِدِ الْفِقْهِيَّةِ: لاَ ثَوَابَ إِلاَّ بِالنِّيَّةِ، قَال ابْنُ نُجَيْمٍ: قَرَّرَ الْمَشَايِخُ فِي حَدِيثِ. إِنَّمَا الأَْعْمَال بِالنِّيَّاتِ، أَنَّهُ مِنْ بَابِ الْمُقْتَضَى، إِذْ لاَ يَصِحُّ بِدُونِ تَقْدِيرٍ لِكَثْرَةِ وُجُودِ الأَْعْمَال بِدُونِهَا فَقَدَّرُوا مُضَافًا أَيْ حُكْمَ الأَْعْمَال، وَهُوَ نَوْعَانِ: أُخْرَوِيٌّ، وَهُوَ الثَّوَابُ وَاسْتِحْقَاقُ الْعِقَابِ، وَدُنْيَوِيٌّ وَهُوَ الصِّحَّةُ وَالْفَسَادُ، وَقَدْ أُرِيدَ الأُْخْرَوِيُّ بِالإِْجْمَاعِ لِلإِْجْمَاعِ عَلَى أَنَّهُ لاَ ثَوَابَ وَلاَ عِقَابَ إِلاَّ بِالنِّيَّةِ، وَسَاقَ ابْنُ نُجَيْمٍ الأَْمْثِلَةَ عَلَى ذَلِكَ فِي الأَْفْعَال وَالتُّرُوكِ، ثُمَّ قَال: وَلاَ تُشْتَرَطُ لِلثَّوَابِ صِحَّةُ الْعِبَادَةِ، بَل يُثَابُ عَلَى نِيَّتِهِ وَإِنْ كَانَتْ فَاسِدَةً بِغَيْرِ تَعَمُّدِهِ، كَمَا لَوْ صَلَّى مُحْدِثًا عَلَى ظَنِّ طَهَارَتِهِ (2) .
9 - بَل إِنَّ الإِْنْسَانَ قَدْ يُثَابُ عَلَى مَا لَمْ يَعْمَل، وَيَكُونُ الثَّوَابُ عَلَى النِّيَّةِ لِقَوْل النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَنْ هَمَّ بِحَسَنَةٍ فَلَمْ يَعْمَلْهَا كُتِبَتْ لَهُ حَسَنَةً (3) وَقَوْلِهِ: مَنْ أَتَى فِرَاشَهُ وَهُوَ يَنْوِي أَنْ يَقُومَ يُصَلِّيَ فِي اللَّيْل فَغَلَبَتْهُ عَيْنَاهُ حَتَّى أَصْبَحَ كُتِبَ لَهُ مَا نَوَى
__________
(1) حديث: " إنما الأعمال بالنيات ". أخرجه البخاري (الفتح 1 / 9 - ط السلفية) ، ومسلم (3 / 1515 - ط الحلبي) من حديث عمر بن الخطاب، واللفظ للبخاري.
(2) الأشباه لابن نجيم / 19 - 26.
(3) حديث: " من هم بحسنة فلم يعملها كتبت له حسنة ". أخرجه البخاري (الفتح 11 / 323 - ط السلفية) ومسلم (1 / 118 - ط الحلبي) من حديث عبد الله بن عباس واللفظ لمسلم.

الصفحة 56