كتاب الموسوعة الفقهية الكويتية (اسم الجزء: 15)

الْحُرُوبِ الْمُدَمِّرَةِ الَّتِي اسْتَغْرَقَتِ الأَْعْوَامَ الطِّوَال.
4 - وَكَانُوا فِي الْجَاهِلِيَّةِ يَزْعُمُونَ أَنَّ رُوحَ الْقَتِيل الَّذِي لَمْ يُؤْخَذْ بِثَأْرِهِ تَصِيرُ هَامَةً فَتَرْقُو عِنْدَ قَبْرِهِ: وَتَقُول: اسْقُونِي، اسْقُونِي مِنْ دَمِ قَاتِلِي، فَإِذَا أُخِذَ بِثَأْرِهِ طَارَتْ.
وَهَذَا أَحَدُ تَأْوِيلَيْنِ فِي حَدِيثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لاَ صَفَرَ وَلاَ هَامَةَ (1) كَمَا يَقُول الدَّمِيرِيُّ فِي كِتَابِهِ (حَيَاةُ الْحَيَوَانِ)
وَكَانَ الْعَرَبُ مِنْ حِرْصِهِمْ عَلَى الثَّأْرِ وَإِسْرَافِهِمْ فِيهِ، وَخَوْفِهِمْ مِنَ الْعَارِ إذَا تَرَكُوهُ يُحَرِّمُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ النِّسَاءَ، وَالطِّيبَ، وَالْخَمْرَ حَتَّى يَنَالُوا ثَأْرَهُمْ، وَلاَ يُغَيِّرُونَ ثِيَابَهُمْ وَلاَ يَغْسِلُونَ رُءُوسَهُمْ، وَلاَ يَأْكُلُونَ لَحْمًا حَتَّى يَشْفُوا أَنْفُسَهُمْ بِهَذَا الثَّأْرِ. (2)
5 - وَظَل الْعَرَبُ مُتَأَثِّرِينَ بِهَذِهِ الْعَادَةِ حَتَّى بَعْدَ ظُهُورِ الإِْسْلاَمِ، يَرْوِي الشَّافِعِيُّ وَالطَّبَرِيُّ عَنِ السُّدِّيِّ عَنْ أَبِي مَالِكٍ قَال: كَانَ بَيْنَ حَيَّيْنِ مِنَ
__________
(1) حديث: " لا صفر ولا هامة " جزء من حديث أخرجه البخاري (فتح الباري 10 / 215 - ط السلفية) ، ومسلم (4 / 1743 - ط عيسى الحلبي) من حديث أبي هريرة
(2) ينظر في هذا: الكامل لابن الأثير 1 / 336 وما بعدها، والأم 6 / 8، والألوسي 5 / 69، والقرطبي 2 / 225 - 226، والطبري 2 / 60 وما بعدها، 15 / 58 وما بعدها، وأحكام القرآن للشافعي / 267 وما بعدها، وأحكام القرآن لابن العربي 1 / 61، وأحكام القرآن للجصاص 1 / 155 وما بعدها، والسياسة الشرعية لابن تيمية / 156
الأَْنْصَارِ قِتَالٌ كَانَ لأَِحَدِهِمَا عَلَى الآْخَرِ الطَّوْل فَكَأَنَّهُمْ طَلَبُوا الْفَضْل، فَأَصْلَحَ بَيْنَهُمُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (1) كَمَا نَزَل عَلَيْهِ مِنْ قَوْل اللَّهِ تَعَالَى: {الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ} (2) .

الأَْحْكَامُ الْمُتَعَلِّقَةُ بِالثَّأْرِ:
6 - أ - حَرَّمَ الإِْسْلاَمُ قَتْل النَّفْسِ ابْتِدَاءً بِغَيْرِ حَقٍّ لِحُرْمَةِ النَّفْسِ الإِْنْسَانِيَّةِ، فَقَال تَعَالَى: {وَلاَ تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ} (3) وَبَيَّنَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْحَقَّ الَّذِي يُقْتَل بِهِ الْمُسْلِمُ (4) فَقَال: لاَ يَحِل دَمُ امْرِئٍ مُسْلِمٍ إِلاَّ بِإِحْدَى ثَلاَثٍ: النَّفْسُ بِالنَّفْسِ، وَالثَّيِّبُ الزَّانِي، وَالْمُفَارِقُ لِدِينِهِ التَّارِكُ لِلْجَمَاعَةِ (5) .
7 - ب - أَبَاحَ الإِْسْلاَمُ الأَْخْذَ بِالثَّأْرِ عَلَى سَبِيل الْقِصَاصِ بِشُرُوطِهِ الْمُفَصَّلَةِ فِي مُصْطَلَحِ:
__________
(1)) حديث: " إصلاح النبي صلى الله عليه وسلم بين حيين من الأنصار. . . " أخرجه الطبري (2 / 61 - ط دار المعرفة) من طريق السدي عن أبي مالك مرسلا. والسدي متكلم فيه (التقريب ص 108 - ط دار الرشيد)
(2) سورة البقرة / 178. وانظر الطبري 2 / 61، وأحكام القرآن للشافعي / 271.
(3) سورة الأنعام / 151
(4) السياسة الشرعية لابن تيمية / 153 - 154، وفتح الباري 12 / 201، والألوسي 15 / 69
(5)) حديث: " لا يحل دم امرئ مسلم. . . " أخرجه البخاري (فتح الباري 12 / 201 - ط السلفية) . ومسلم (3 / 1302 - ط عيسى الحلبي) من حديث عبد الله بن مسعود

الصفحة 6