كتاب الموسوعة الفقهية الكويتية (اسم الجزء: 15)
الْمَسَاجِدَ، وَالْحَجَّ، وَالْغَزْوَ، مِنْ مَسَافَةٍ قَرِيبَةٍ، وَمَنْ يَقْصِدُ هَذِهِ الْعِبَادَاتِ مِنْ مَسَافَةٍ بَعِيدَةٍ، فَإِنَّ ثَوَابَهَا يَتَفَاوَتُ بِتَفَاوُتِ الْوَسِيلَةِ، وَيَتَسَاوَى مِنْ جِهَةِ الْقِيَامِ بِسُنَنِ هَذِهِ الْعِبَادَاتِ وَشَرَائِطِهَا وَأَرْكَانِهَا، فَإِنَّ الشَّرْعَ يُثِيبُ عَلَى الْوَسَائِل إِلَى الطَّاعَاتِ، كَمَا يُثِيبُ عَلَى الْمَقَاصِدِ مَعَ تَفَاوُتِ أُجُورِ الْوَسَائِل وَالْمَقَاصِدِ، وَكَذَلِكَ جَعَل لِكُل خُطْوَةٍ يَخْطُوهَا الْمُصَلِّي إِلَى إِقَامَةِ الْجَمَاعَةِ رَفْعَ دَرَجَةٍ وَحَطَّ خَطِيئَةٍ، وَجَعَل أَبْعَدَهُمْ مَمْشًى إِلَى الصَّلاَةِ أَعْظَمَ أَجْرًا مِنْ أَقْرَبِهِمْ مَمْشًى إِلَيْهَا، وَجَعَل لِلْمُسَافِرِينَ إِلَى الْجِهَادِ بِمَا يَلْقَوْنَهُ مِنَ الظَّمَأِ، وَالنَّصَبِ، وَالْمَخْمَصَةِ، وَالنَّفَقَةِ الصَّغِيرَةِ وَالْكَبِيرَةِ، وَقَطْعِ الأَْوْدِيَةِ، وَبِمَا يَنَالُونَهُ مِنَ الأَْعْدَاءِ أَجْرَ عَمَلٍ صَالِحٍ، وَعَلَى ذَلِكَ إِذَا كَانَتِ الْمَشَقَّاتُ مِنْ حَيْثُ هِيَ مَشَقَّاتٌ مُثَابًا عَلَيْهَا زِيَادَةً عَلَى مُعْتَادِ التَّكْلِيفِ دَل عَلَى أَنَّهَا مَقْصُودَةٌ لَهُ، وَإِلاَّ فَلَوْ لَمْ يَقْصِدْهَا لَمْ يَقَعْ عَلَيْهَا ثَوَابٌ (1) .
ب - تَفَاوُتُ الثَّوَابِ مِنْ حَيْثُ الزَّمَانُ:
15 - مِنْ ذَلِكَ تَفْضِيل شَهْرِ رَمَضَانَ عَلَى غَيْرِهِ مِنَ الشُّهُورِ، وَتَفْضِيل صَوْمِ يَوْمِ عَاشُورَاءَ وَعَرَفَةَ عَلَى غَيْرِهِمَا مِنَ الأَْيَّامِ، وَتَفْضِيل الْعَمَل فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ عَلَى غَيْرِهَا مِنَ اللَّيَالِيِ مَعَ مُسَاوَاتِهَا لِقِيَامِ كُل لَيْلَةٍ مِنْ رَمَضَانَ، وَتَفْضِيل الثُّلُثِ الأَْخِيرِ
__________
(1) قواعد الأحكام 1 / 31، والموافقات 2 / 125.
مِنَ اللَّيْل عَلَى غَيْرِهِ مِنَ الأَْزْمِنَةِ. وَغَيْرُ ذَلِكَ. وَقَدْ وَرَدَ فِي ذَلِكَ الْكَثِيرُ مِنَ الأَْدِلَّةِ (1) .
مِنْهَا قَوْل اللَّهِ تَعَالَى: {لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ (2) } .
ج - تَفَاوُتُ الثَّوَابِ مِنْ حَيْثُ الْمَكَانُ:
16 - تَفَضَّل اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى بِتَضْعِيفِ الأُْجُورِ عَلَى الْعِبَادَةِ فِي بَعْضِ الأَْمَاكِنِ، فَجَعَل الصَّلاَةَ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ أَفْضَل مِنَ الصَّلاَةِ فِي مَسْجِدِ الْمَدِينَةِ مَعَ التَّسَاوِي فِي الصَّلاَةِ، وَالصَّلاَةَ فِي مَسْجِدِ الْمَدِينَةِ أَفْضَل مِنَ الصَّلاَةِ فِي الْمَسْجِدِ الأَْقْصَى، وَالصَّلاَةَ فِي الْمَسْجِدِ الأَْقْصَى أَفْضَل مِنَ الصَّلاَةِ فِي غَيْرِهِ، وَكَتَفْضِيل عَرَفَةَ، وَالْمَطَافِ وَالْمَسْعَى وَمُزْدَلِفَةَ، وَمِنًى، وَمَرْمَى الْجِمَارِ وَنَحْوِ ذَلِكَ مِنَ الْبِقَاعِ الَّتِي وَرَدَ الشَّرْعُ بِتَفْضِيلِهَا عَلَى غَيْرِهَا (3) . يَقُول النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: صَلاَةٌ فِي مَسْجِدِي هَذَا خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ صَلاَةٍ فِيمَا سِوَاهُ إِلاَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ (4) .
__________
(1) المغني 3 / 178، وقواعد الأحكام 1 / 26 - 27.
(2) سورة القدر / 3.
(3) فتح الباري 3 / 63 - 64 - 65، والجمل 5 / 333.
(4) حديث: " صلاة في مسجدي هذا خير من ألف صلاة فيما سواه إلا المسجد الحرام ". أخرجه البخاري (الفتح 3 / 63 - ط السلفية) من حديث أبي هريرة.
الصفحة 60