كتاب الموسوعة الفقهية الكويتية (اسم الجزء: 15)

د - تَفَاوُتُ الثَّوَابِ مِنْ حَيْثُ الْمَصْلَحَةُ فِي الْفِعْل:
17 - مِنْ ذَلِكَ الإِْيمَانُ فَإِنَّهُ أَفْضَل مِنْ جَمِيعِ الأَْعْمَال بِكَثْرَةِ ثَوَابِهِ، فَإِنَّ ثَوَابَهُ الْخُلُودُ فِي الْجَنَّةِ وَالْخُلُوصُ مِنَ النَّارِ.
وَصَلاَةُ الْجَمَاعَةِ أَفْضَل مِنْ صَلاَةِ الْفَذِّ بِسَبْعٍ وَعِشْرِينَ صَلاَةً (1) .

بُطْلاَنُ الثَّوَابِ:
18 - لاَ تَلاَزُمَ بَيْنَ صِحَّةِ الْعِبَادَةِ وَإِجْزَائِهَا وَبَيْنَ بُطْلاَنِ ثَوَابِهَا، فَإِنَّ الْعِبَادَةَ قَدْ تَكُونُ صَحِيحَةً مُجْزِئَةً لاِسْتِكْمَال أَرْكَانِهَا وَشَرَائِطِهَا، وَلَكِنْ لاَ يَسْتَحِقُّ فَاعِلُهَا الثَّوَابَ، لِمَا يَقْتَرِنُ بِهَا مِنَ الْمَقَاصِدِ وَالنِّيَّاتِ الَّتِي تُبْطِل ثَمَرَتَهَا فِي الآْخِرَةِ، وَدَلِيل ذَلِكَ قَوْل النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّمَا الأَْعْمَال بِالنِّيَّاتِ وَإِنَّمَا لِكُل امْرِئٍ مَا نَوَى فَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ إِلَى دُنْيَا يُصِيبُهَا أَوِ امْرَأَةٍ يَنْكِحُهَا فَهِجْرَتُهُ إِلَى مَا هَاجَرَ إِلَيْهِ (2) .
وَمِنْ ذَلِكَ الرِّيَاءُ فَإِنَّهُ يُبْطِل ثَوَابَ الْعِبَادَةِ فِي الْجُمْلَةِ.
19 - وَقَدْ يَصِحُّ الْعَمَل وَيَسْتَحِقُّ فَاعِلُهُ الثَّوَابَ وَلَكِنْ يُتْبِعُهُ بِمَا يُبْطِل هَذَا الثَّوَابَ، فَالْمَنُّ وَالأَْذَى يُبْطِل أَجْرَ الصَّدَقَةِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالأَْذَى (3) } يَقُول
__________
(1) قواعد الأحكام 1 / 26 - 27، والحطاب 2 / 84.
(2) حديث: " إنما الأعمال بالنيات ". تقدم ف 8.
(3) سورة البقرة / 264.
ابْنُ الْقَيِّمِ: فَمَثَل صَاحِبِهَا وَبُطْلاَنِ عَمَلِهِ {كَمَثَل صَفْوَانٍ عَلَيْهِ تُرَابٌ فَأَصَابَهُ وَابِلٌ فَتَرَكَهُ صَلْدًا (1) } ، وَمِنَ الْمَعَاصِي مَا يُبْطِل ثَوَابَ الْعِبَادَةِ، فَقَدْ قَال النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَنْ أَتَى عَرَّافًا فَسَأَلَهُ عَنْ شَيْءٍ لَمْ تُقْبَل لَهُ صَلاَةٌ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً (2) .
قَال النَّوَوِيُّ: مَعْنَاهُ أَنَّهُ لاَ ثَوَابَ لَهُ فِيهَا وَإِنْ كَانَتْ مُجْزِئَةً فِي سُقُوطِ الْفَرْضِ عَنْهُ.
20 - وَالإِْشْرَاكُ بِاللَّهِ يُبْطِل صِحَّةَ الْعَمَل وَثَوَابَهُ (3) لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {لَئِنْ أَشْرَكَتْ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ (4) } .
وَفِي ذَلِكَ تَفْصِيلٌ يُنْظَرُ فِي: (رِدَّةٌ) .

ثَانِيًا:
الثَّوَابُ فِي الْهِبَةِ:
21 - الْمَقْصُودُ بِالثَّوَابِ فِي الْهِبَةِ الْعِوَضُ الْمَالِيُّ، وَالأَْصْل فِي الْهِبَةِ أَنْ لاَ يَكُونَ فِيهَا عِوَضٌ مَادِّيٌّ، لأَِنَّهَا تَبَرُّعٌ وَلَيْسَتْ مُعَاوَضَةً، إِلاَّ أَنَّهُ يَجُوزُ التَّعْوِيضُ فِيهَا وَتُسَمَّى هِبَةَ الثَّوَابِ، وَهِيَ الْهِبَةُ الَّتِي يَتِمُّ الاِعْتِيَاضُ عَنْهَا، وَالْعِوَضُ فِي الْهِبَةِ إِمَّا
__________
(1) سورة البقرة / 264.
(2) حديث: " من أتى عرافا فسأله عن شيء لم تقبل له صلاة أربعين ليلة ". أخرجه مسلم (4 / 1751 - ط الحلبي) عن بعض أزواج النبي صلى الله عليه وسلم.
(3) الموافقات للشاطبي 1 / 295 - 296، 2 / 118، وأعلام الموقعين 1 / 185، وصحيح مسلم بشرح النووي 14 / 227، ابن عابدين 1 / 278، وقواعد الأحكام 1 / 124 - 125.
(4) سورة الزمر / 65.

الصفحة 61