كتاب الموسوعة الفقهية الكويتية (اسم الجزء: 15)
خِلاَفٍ، فَلَوْ رَأَى الإِْمَامُ أَنْ يَجْعَل أُجْرَةَ الْعَامِل كُلَّهَا مِنْ بَيْتِ الْمَال وَيَقْسِمَ جَمِيعَ الزَّكَوَاتِ عَلَى بَقِيَّةِ الأَْصْنَافِ جَازَ؛ لأَِنَّ بَيْتَ الْمَال لِمَصَالِحِ الْمُسْلِمِينَ وَهَذَا مِنَ الْمَصَالِحِ، صَرَّحَ بِهَذَا كُلِّهِ صَاحِبُ الشَّامِل وَآخَرُونَ، وَنَقَل الرَّافِعِيُّ اتِّفَاقَ الأَْصْحَابِ عَلَيْهِ (1) .
وَذَكَرَ الْحَنَابِلَةُ أَنَّ لِلإِْمَامِ تَعْيِينَ أُجْرَةِ الْجَابِي قَبْل بَعْثِهِ مِنْ غَيْرِ شَرْطٍ، لأَِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعَثَ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ سَاعِيًا وَلَمْ يَجْعَل لَهُ أُجْرَةً فَلَمَّا جَاءَ أَعْطَاهُ (2) ، فَإِنْ عَيَّنَ لَهُ أُجْرَةً دَفَعَهَا إِلَيْهِ. وَإِلاَّ دَفَعَ إِلَيْهِ أُجْرَةَ مِثْلِهِ. وَيَدْفَعُ مِنْهَا أُجْرَةَ الْحَاسِبِ، وَالْكَاتِبِ، وَالْعَدَّادِ، وَالسَّائِقِ، وَالرَّاعِي، وَالْحَافِظِ، وَالْحَمَّال، وَالْكَيَّال، وَنَحْوِ ذَلِكَ؛ لأَِنَّهُ مِنْ مُؤْنَتِهَا فَقُدِّمَ عَلَى غَيْرِهِ.
وَصَرَّحَ الشَّافِعِيَّةُ بِأَنَّهُ يُسْتَحَبُّ الْبَدْءُ بِالْعَامِل لأَِنَّهُ يَأْخُذُ عَلَى وَجْهِ الْعِوَضِ، وَغَيْرُهُ يَأْخُذُ عَلَى وَجْهِ الْمُوَاسَاةِ (3) .
ثَالِثًا - كَيْفِيَّةُ جِبَايَةِ الزَّكَاةِ:
15 - الْمَال الَّذِي تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ مِنْهُ مَا يُعْتَبَرُ فِيهِ الْحَوْل وَمِنْهُ مَا لاَ يُعْتَبَرُ فِيهِ، فَالْمَال الَّذِي لاَ يُعْتَبَرُ
__________
(1) المجموع 6 / 188 ط السلفية.
(2) حديث: " بعث عمر ساعيا ولم يجعل له أجرة، فلما جاء أعطاه ". أخرجه مسلم (2 / 723 ط الحلبي) .
(3) الكافي 1 / 331 - 332 ط المكتب الإسلامي، والمجموع 6 / 187.
فِيهِ الْحَوْل كَالزُّرُوعِ وَالثِّمَارِ لاَ يُجْبَى إِلاَّ وَقْتَ الْوُجُوبِ وَهُوَ وَقْتُ إِدْرَاكِ الثِّمَارِ وَاشْتِدَادِ الْحَبِّ. وَلَكِنْ يُخْرَصُ، أَيْ يُقَدَّرُ مَا فِيهِ مِنَ الثَّمَرِ لِتَحْدِيدِ الْوَاجِبِ فِيهِ مِنَ الزَّكَاةِ. وَانْظُرْ لِلتَّفْصِيل مُصْطَلَحَ: (خَرْصٌ) .
وَأَمَّا الْمَال الَّذِي يُعْتَبَرُ فِيهِ الْحَوْل كَزَكَاةِ النَّعَمِ مَثَلاً، فَإِنَّ السَّاعِيَ يُعَيِّنُ شَهْرًا مُحَدَّدًا مِنَ السَّنَةِ يَأْتِي فِيهِ أَصْحَابَ الأَْمْوَال لِجِبَايَةِ زَكَاتِهِ.
وَاسْتَحَبَّ الشَّافِعِيُّ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ الشَّهْرَ هُوَ الْمُحَرَّمَ لأَِنَّهُ أَوَّل السَّنَةِ، وَيُسْتَحَبُّ عَدُّ الْمَاشِيَةِ عَلَى مَنْ تُؤْخَذُ مِنْهُ عَلَى الْمَاءِ أَوْ فِي الأَْفْنِيَةِ لِمَا رُوِيَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَال: تُؤْخَذُ صَدَقَاتُ النَّاسِ عَلَى مِيَاهِهِمْ، أَوْ عِنْدَ أَفْنِيَتِهِمْ (1) وَإِنْ أَخْبَرَهُ صَاحِبُ الْمَال بِعَدَدِهِ قَبِل مِنْهُ، وَإِنْ قَال لَمْ يَكْمُل الْحَوْل أَوْ فَرَّقْتُ زَكَاتَهُ وَنَحْوَ هَذَا مِمَّا يَمْنَعُ الأَْخْذَ مِنْهُ قَبِل مِنْهُ وَلَمْ يُحَلِّفْهُ، لأَِنَّ الزَّكَاةَ عِبَادَةٌ وَحَقٌّ لِلَّهِ تَعَالَى فَلاَ يَحْلِفُ عَلَيْهَا كَالصَّلاَةِ، وَيُسْتَحَبُّ أَنْ لاَ يَأْخُذَ كَرَائِمَ الْمَال لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِمُعَاذٍ حِينَ بَعَثَهُ إِلَى الْيَمَنِ فَإِنْ هُمْ أَطَاعُوا لَكَ بِذَلِكَ فَإِيَّاكَ وَكَرَائِمَ أَمْوَالِهِمْ (2)
__________
(1) حديث: " تؤخذ صدقات الناس على مياههم أو عند أفنيتهم ". أخرجه أحمد (2 / 185 - ط الميمنية) وأبو داود الطيالسي (ص 299 ط دائرة المعارف العثمانية) من حديث عبد الله بن عمر، وإسناده حسن.
(2) حديث: " فإن هم أطاعوا لك بذلك فإياك وكرائم أموالهم ". أخرجه البخاري (الفتح 3 / 357 ط السلفية) .
الصفحة 94