كتاب الموسوعة الفقهية الكويتية (اسم الجزء: 15)

إِذَا عَلِمَ بِنَهْيِهِ. وَفِي بَرَاءَتِهِ إِذَا لَمْ يَعْلَمْ بِالنَّهْيِ وَجْهَانِ، بِنَاءً عَلَى عَزْل الْوَكِيل إِذَا تَصَرَّفَ مِنْ غَيْرِ عِلْمٍ بِالْعَزْل (1) .
هَذَا وَيُعَيِّنُ الْجَابِي شَهْرًا مِنَ السَّنَةِ لِجِبَايَةِ تِلْكَ الأَْمْوَال، وَأَمَّا مَا يَأْخُذُهُ مُقَابِل عَمَلِهِ فَهُوَ كَمَا ذَكَرَ الْمَالِكِيَّةُ كِفَايَةُ سَنَةٍ وَيُقَدِّمُهُ الإِْمَامُ عَلَى غَيْرِهِ عِنْدَ الْقِسْمَةِ بَعْدَ آل النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (2) .

مُحَاسَبَةُ الإِْمَامِ لِلْجُبَاةِ:
22 - يَجِبُ عَلَى الإِْمَامِ مُحَاسَبَةُ الْجُبَاةِ تَأَسِّيًا بِرَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لأَِنَّهُ فَعَل ذَلِكَ فَقَدْ جَاءَ فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ: أَنَّ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اسْتَعْمَل رَجُلاً مِنَ الأَْسْدِ عَلَى صَدَقَاتِ بَنِي سُلَيْمٍ يُدْعَى ابْنَ اللُّتْبِيَّةِ فَلَمَّا جَاءَ حَاسَبَهُ (3) وَهُوَ أَصْلٌ فِي مُحَاسَبَةِ الْجُبَاةِ.
وَيَجِبُ عَلَى الْجُبَاةِ أَنْ يَكُونُوا صَادِقِينَ مَعَ الإِْمَامِ فَلاَ يُخْفُوا شَيْئًا مِنَ الْمَال الَّذِي جَمَعُوهُ لأَِنَّهُ مِنَ الأَْمَانَةِ (4) . وَقَدْ قَال اللَّهُ تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُول وَتَخُونُوا
__________
(1) الأحكام السلطانية للماوردي ص 130 - 131 ط العلمية، والأحكام السلطانية لأبي يعلى ص 125 وما قبلها ط الحلبي.
(2) الخرشي 3 / 129 ط. بولاق، والدسوقي 2 / 190 ط الفكر، وجواهر الإكليل 1 / 260 ط. المعرفة.
(3) حديث: " استعمل رجلا من الأسد على صدقات بني سليم ". أخرجه البخاري (الفتح 3 / 365 - 366 ط السلفية) .
(4) فتح الباري 3 / 365 - 366 ط. الرياض.
أَمَانَاتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ} (1) .
وَقَدْ تَوَعَّدَ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ يَفْعَل ذَلِكَ، فَقَدْ أَخْرَجَ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ عَنْ عَدِيِّ أَبِي عَمِيرَةَ الْكِنْدِيِّ قَال: سَمِعْتُ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُول: مَنِ اسْتَعْمَلْنَاهُ مِنْكُمْ عَلَى عَمَلٍ فَكَتَمَنَا مِخْيَطًا فَمَا فَوْقَهُ كَانَ غُلُولاً يَأْتِي بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ قَال: فَقَامَ إِلَيْهِ رَجُلٌ أَسْوَدُ مِنَ الأَْنْصَارِ كَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَيْهِ فَقَال يَا رَسُول اللَّهِ: اقْبَل عَنِّي عَمَلَكَ قَال: وَمَا لَكَ؟ قَال: سَمِعْتُكَ تَقُول كَذَا وَكَذَا قَال: وَأَنَا أَقُول الآْنَ، مَنِ اسْتَعْمَلْنَاهُ مِنْكُمْ عَلَى عَمَلٍ فَلْيَجِئْ بِقَلِيلِهِ وَكَثِيرِهِ، فَمَا أُوتِيَ مِنْهُ أَخَذَ، وَمَا نُهِيَ عَنْهُ انْتَهَى (2) .
وَلَيْسَ لِلْجُبَاةِ أَنْ يَدَّعُوا أَنَّ بَعْضَهُ أُهْدِيَ إِلَيْهِمْ، وَمَا أُهْدِيَ إِلَيْهِمْ بِسَبَبِ الْعَمَل يُرَدُّ إِلَى بَيْتِ الْمَال لأَِنَّ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَقْبَل ذَلِكَ مِنِ ابْنِ اللُّتْبِيَّةِ حِينَ قَدِمَ بَعْدَ أَنِ اسْتَعْمَلَهُ عَلَى الصَّدَقَةِ وَقَال: هَذَا لَكُمْ وَهَذَا لِي أُهْدِيَ لِي، بَل قَامَ عَلَى الْمِنْبَرِ فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ وَقَال: مَا بَال عَامِلٍ أَبْعَثُهُ فَيَقُول: هَذَا لَكُمْ وَهَذَا أُهْدِيَ لِي أَفَلاَ قَعَدَ فِي بَيْتِ أَبِيهِ أَوْ فِي بَيْتِ أُمِّهِ حَتَّى يَنْظُرَ أَيُهْدَى إِلَيْهِ أَمْ لاَ وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لاَ يَنَال أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنْهَا شَيْئًا إِلاَّ جَاءَ بِهِ يَوْمَ
__________
(1) سورة الأنفال / 27.
(2) حديث: " من استعملناه منكم على عمل فكتمنا. . . " أخرجه مسلم (3 / 1465 ط. الحلبي) .

الصفحة 98