كتاب الموسوعة الفقهية الكويتية (اسم الجزء: 16)

بَل يَسْتَأْنِفُ الْحَوْل مِنْ وَقْتِ الإِْفَاقَةِ؛ لأَِنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الصَّبِيِّ الَّذِي بَلَغَ الآْنَ عِنْدَهُ، وَلَوْ كَانَ الْجُنُونُ عَارِضًا فَزَال بَعْدَ سِتَّةِ أَشْهُرٍ، تَجِبُ الزَّكَاةُ بِالإِْجْمَاعِ؛ لأَِنَّهُ زَال قَبْل الاِمْتِدَادِ عِنْدَ الْكُل. (1)
وَيُحْكَى عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ، وَالثَّوْرِيِّ، وَالأَْوْزَاعِيِّ أَنَّهُمْ قَالُوا: تَجِبُ الزَّكَاةُ فِي الْحَال، لَكِنَّهُ لاَ يُخْرِجُ حَتَّى يُفِيقَ. (2) وَتَفْصِيلُهُ فِي مُصْطَلَحِ: (إِفَاقَةٌ) .

أَمَّا زَكَاةُ زَرْعِ الْمَجْنُونِ فَلاَ خِلاَفَ فِي وُجُوبِهَا فِيهِ، وَكَذَلِكَ صَدَقَةُ الْفِطْرِ عِنْدَ الْجُمْهُورِ، وَقَال مُحَمَّدٌ وَزُفَرُ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ: لاَ تَجِبُ صَدَقَةُ الْفِطْرِ فِي مَال الْمَجْنُونِ فَيَضْمَنُهَا الْوَلِيُّ وَالْوَصِيُّ لَوْ أَدَّيَاهَا مِنْ مَالِهِ. (3)

و أَثَرُ الْجُنُونِ فِي التَّصَرُّفَاتِ الْقَوْلِيَّةِ:
15 - أَجْمَعَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّ الْجُنُونَ كَالإِْغْمَاءِ وَالنَّوْمِ، بَل هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمَا فِي فَوَاتِ الاِخْتِيَارِ وَتَبْطُل عِبَارَاتُ الْمُغْمَى عَلَيْهِ، وَالنَّائِمِ فِي التَّصَرُّفَاتِ الْقَوْلِيَّةِ، كَالطَّلاَقِ، وَالإِْسْلاَمِ،
__________
(1) ابن عابدين 2 / 4، والاختيار 1 / 99، وكشف الأسرار 4 / 268، 269، والمغني 2 / 622.
(2) المغني 2 / 622، 623، ورحمة الأمة في اختلاف الأئمة ص 74، 75.
(3) ابن عابدين 2 / 49، 72، 73، والاختيار 1 / 99 و 124، والشرح الصغير 1 / 621، وروضة الطالبين 2 / 293، والمغني 2 / 622، 623.
وَالرِّدَّةِ، وَالْبَيْعِ، وَالشِّرَاءِ وَغَيْرِهَا مِنَ التَّصَرُّفَاتِ الْقَوْلِيَّةِ، فَبُطْلاَنُهَا بِالْجُنُونِ أَوْلَى؛ لأَِنَّ الْمَجْنُونَ عَدِيمُ الْعَقْل وَالتَّمْيِيزِ وَالأَْهْلِيَّةِ، وَاسْتَدَلُّوا لِذَلِكَ بِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: رُفِعَ الْقَلَمُ عَنْ ثَلاَثَةٍ: عَنِ النَّائِمِ حَتَّى يَسْتَيْقِظَ، وَعَنِ الصَّبِيِّ حَتَّى يَحْتَلِمَ، وَعَنِ الْمَجْنُونِ حَتَّى يَعْقِل (1) وَمِثْل ذَلِكَ كُل تَصَرُّفٍ قَوْلِيٍّ لِمَا فِيهِ مِنَ الضَّرَرِ. (2)

ز - أَثَرُ الْجُنُونِ فِي عُقُودِ الْمُعَاوَضَةِ:
16 - لاَ خِلاَفَ بَيْنَ الْفُقَهَاءِ فِي أَنَّ كُل تَصَرُّفٍ قَوْلِيٍّ يَصْدُرُ فِي حَال الْجُنُونِ فَهُوَ بَاطِلٌ، فَالْمَجْنُونُ لاَ تَصِحُّ عُقُودُهُ لِرُجْحَانِ جَانِبِ الضَّرَرِ نَظَرًا إِلَى سَفَهِهِ، وَقِلَّةِ مُبَالاَتِهِ، وَعَدَمِ قَصْدِهِ الْمَصَالِحَ. (3)

ح - أَثَرُ الْجُنُونِ فِي التَّبَرُّعَاتِ:
17 - سَبَقَ بَيَانُ أَنَّ التَّصَرُّفَاتِ الْقَوْلِيَّةَ لاَ تَصِحُّ مِنَ الْمَجْنُونِ؛ لأَِنَّ بِالْجُنُونِ تُسْلَبُ الْوِلاَيَاتُ،
__________
(1) الاختيار 2 / 94، والقوانين ص 232، 250، 369، والقليوبي 3 / 331، ونيل المآرب 2 / 228، والمغني 7 / 113، 114 وحديث: " رفع القلم عن ثلاثة. . . . " سبق تخريجه فقرة 11.
(2) الاختيار 2 / 95.
(3) الاختيار 2 / 95، والقوانين الفقهية ص 250، ورحمة الأمة في اختلاف الأئمة ص 128، ونيل المآرب 1 / 333.

الصفحة 106