كتاب الموسوعة الفقهية الكويتية (اسم الجزء: 16)
بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ (1) } وَقَال أَيْضًا: {فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ (2) } ثُمَّ أَذِنَ اللَّهُ بَعْدَ ذَلِكَ لِلْمُسْلِمِينَ فِي الْقِتَال إِذَا ابْتَدَأَهُمُ الْكُفَّارُ بِالْقِتَال، وَكَانَ ذَلِكَ فِي السَّنَةِ الثَّانِيَةِ مِنَ الْهِجْرَةِ. وَذَلِكَ فِي قَوْله تَعَالَى: {أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا (3) } .
ثُمَّ شَرَعَ اللَّهُ الاِبْتِدَاءَ بِالْقِتَال عَلَى الإِْطْلاَقِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {انْفِرُوا خِفَافًا وَثِقَالاً (4) } وَقَوْلِهِ: {وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً (5) } وَتُسَمَّى هَذِهِ آيَةُ السَّيْفِ، وَقِيل: هِيَ قَوْله تَعَالَى: {فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ (6) } .
وَقَال رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِل النَّاسَ حَتَّى يَقُولُوا لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ، فَمَنْ قَالَهَا فَقَدْ عَصَمَ مِنِّي مَالَهُ وَنَفْسَهُ إِلاَّ بِحَقِّهِ وَحِسَابُهُ عَلَى اللَّهِ (7) .
__________
(1) سورة النحل / 125.
(2) سورة الحجر / 94.
(3) سورة الحج / 39.
(4) سورة التوبة / 41.
(5) سورة التوبة / 36.
(6) سورة التوبة / 5.
(7) حديث: " أمرت أن أقاتل الناس. . . . " أخرجه البخاري (الفتح 3 / 262 - ط السلفية) من حديث عمر بن الخطاب. وانظر: المبسوط للسرخسي 10 / 2، وروضة الطالبين 10 / 204، وشرح روض الطالب من أسنى المطالب 4 / 175.
وَالْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّهُ يَنْبَغِي أَنْ لاَ يُتْرَكَ الْجِهَادُ كُل سَنَةٍ مَرَّةً عَلَى الأَْقَل (1) . وَمَعْنَى ذَلِكَ أَنْ يُوَجِّهَ الإِْمَامُ كُل سَنَةٍ طَائِفَةً، وَيَزُجَّ بِنَفْسِهِ مَعَهَا أَوْ يُخْرِجَ بَدَلَهُ مَنْ يَثِقُ بِهِ؛ لِيَدْعُوَ الْكُفَّارَ لِلإِْسْلاَمِ، وَيُرَغِّبَهُمْ فِيهِ، ثُمَّ يُقَاتِلَهُمْ إِذَا أَبَوْا؛ لأَِنَّ فِي تَعْطِيلِهِ أَكْثَر مِنْ سَنَةٍ مَا يُطَمِّعُ الْعَدُوَّ فِي الْمُسْلِمِينَ. فَإِنْ دَعَتِ الْحَاجَةُ فِي السَّنَةِ إِلَى أَكْثَر مِنْ مَرَّةٍ وَجَبَ؛ لأَِنَّهُ فَرْضٌ عَلَى الْكِفَايَةِ فَوَجَبَ مِنْهُ مَا دَعَتِ الْحَاجَةُ إِلَيْهِ، فَإِنْ دَعَتِ الْحَاجَةُ إِلَى تَأْخِيرِهِ لِضَعْفِ الْمُسْلِمِينَ، أَوْ قِلَّةِ مَا يَحْتَاجُ إِلَيْهِ فِي قِتَالِهِمْ مِنَ الْعُدَّةِ، أَوِ الْمَدَدِ الَّذِي يَسْتَعِينُ بِهِ، أَوْ يَكُونُ الطَّرِيقُ إِلَيْهِمْ فِيهَا مَانِعٌ، أَوْ لَيْسَ هُنَا مُؤَنٌ، أَوْ لِلطَّمَعِ فِي إِسْلاَمِهِمْ وَنَحْوِ ذَلِكَ مِنَ الأَْعْذَارِ، جَازَ تَأْخِيرُهُ؛ لأَِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَالَحَ قُرَيْشًا عَشْرَ سِنِينَ (2) ، وَأَخَّرَ قِتَالَهُمْ حَتَّى نَقَضُوا الْهُدْنَةَ، وَأَخَّرَ قِتَال غَيْرِهِمْ مِنَ الْقَبَائِل بِغَيْرِ هُدْنَةٍ؛ وَلأَِنَّهُ إِذَا كَانَ يُرْجَى مِنَ النَّفْعِ بِتَأْخِيرِهِ أَكْثَرُ مِمَّا يُرْجَى مِنَ النَّفْعِ بِتَقْدِيمِهِ وَجَبَ تَأْخِيرُهُ (3) .
__________
(1) ابن عابدين 3 / 218، والدسوقي 2 / 173، وجواهر الإكليل 1 / 251، والمهذب 2 / 226، وروضة الطالبين 10 / 208، والمغني 8 / 348، وكشاف القناع 3 / 36، والإنصاف 4 / 116.
(2) حديث: " أن النبي صلى الله عليه وسلم صالح قريشا عشر سنين " أخرجه ابن إسحاق مرسلا عن الزهري كما في سيرة ابن هشام (2 / 317 - ط الحلبي) .
(3) المهذب 2 / 226، والمغني 8 / 348، وكشاف القناع 3 / 36، والإنصاف 4 / 116.
الصفحة 126