كتاب الموسوعة الفقهية الكويتية (اسم الجزء: 16)
وَإِنَّمَا فُرِضَ لإِِعْزَازِ دِينِ اللَّهِ، وَدَفْعِ الشَّرِّ عَنِ الْعِبَادِ.
وَالْمَقْصُودُ أَنْ يَأْمَنَ الْمُسْلِمُونَ، وَيَتَمَكَّنُوا مِنَ الْقِيَامِ بِمَصَالِحِ دِينِهِمْ وَدُنْيَاهُمْ. فَإِذَا اشْتَغَل الْكُل بِالْجِهَادِ لَمْ يَتَفَرَّغُوا لِلْقِيَامِ بِمَصَالِحِ دُنْيَاهُمْ.
وَقَدْ كَانَ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَارَةً يَخْرُجُ، وَتَارَةً يَبْعَثُ غَيْرَهُ، حَتَّى قَال: وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لَوْلاَ أَنَّ رِجَالاً مِنَ الْمُؤْمِنِينَ لاَ تَطِيبُ أَنْفُسُهُمْ أَنْ يَتَخَلَّفُوا عَنِّي، وَلاَ أَجِدُ مَا أَحْمِلُهُمْ عَلَيْهِمْ، مَا تَخَلَّفْتُ عَنْ سَرِيَّةٍ تَغْدُو فِي سَبِيل اللَّهِ (1) .
فَهَذَا يَدُل عَلَى أَنَّ الْقَاعِدِينَ غَيْرُ آثِمِينَ مَعَ جِهَادِ غَيْرِهِمْ، فَقَدْ وَعَدَ اللَّهُ كُلًّا الْحُسْنَى، وَالْعَاصِي لاَ يُوعَدُ بِهَا، وَلاَ تَفَاضُل بَيْنَ مَأْجُورٍ وَمَأْزُورٍ (2) .
وَرَوَى أَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعَثَ إِلَى بَنِي لِحْيَانَ، وَقَال: لِيَخْرُجْ مِنْ كُل رَجُلَيْنِ رَجُلٌ، ثُمَّ قَال
__________
(1) حديث: " والذي نفسي بيده، لولا أن رجالا من المؤمنين. . . " أخرجه البخاري (الفتح 6 / 16 - ط السلفية) من حديث أبي هريرة. وانظر: المبسوط 10 / 3، والدسوقي 2 / 182، وجواهر الإكليل 1 / 250، والمهذب 2 / 227، ونهاية المحتاج 8 / 45، والمغني 8 / 345، وكشاف القناع 3 / 32، 33.
(2) المهذب 2 / 226، ونهاية المحتاج 8 / 45، والمغني 8 / 345، وكشاف القناع 3 / 32
لِلْقَاعِدِينَ: أَيُّكُمْ خَلَفَ الْخَارِجَ فِي أَهْلِهِ وَمَالِهِ بِخَيْرٍ كَانَ لَهُ مِثْل نِصْفِ أَجْرِ الْخَارِجِ (1) .
وَقَال سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ: إِنَّ الْجِهَادَ مِنْ فُرُوضِ الأَْعْيَانِ (2) .: {انْفِرُوا خِفَافًا وَثِقَالاً وَجَاهِدُوا بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ فِي سَبِيل اللَّهِ (3) } .
وَقَوْلُهُ: {إِلاَّ تَنْفِرُوا يُعَذِّبْكُمْ عَذَابًا أَلِيمًا (4) } . وَقَوْل الرَّسُول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَنْ مَاتَ وَلَمْ يَغْزُ، وَلَمْ يُحَدِّثْ نَفْسَهُ بِالْغَزْوِ، مَاتَ عَلَى شُعْبَةٍ مِنْ نِفَاقٍ (5) . وَأَنَّ الْقَاعِدِينَ الْمَوْعُودِينَ بِالْحُسْنَى كَانُوا حُرَّاسًا، أَيْ كَانُوا مِنْ هَذَيْنِ كَذَلِكَ (6) .
مَتَى يَصِيرُ الْجِهَادُ فَرْضَ عَيْنٍ؟
9 - ذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ إِلَى أَنَّهُ يَصِيرُ الْجِهَادُ فَرْضَ عَيْنٍ فِي كُلٍّ مِنَ الْحَالاَتِ الآْتِيَةِ:
__________
(1) حديث: " ليخرج من كل رجلين رجل. . . " صحيح مسلم 2 / 100، وفي رواية " لينبعث من كل رجلين أحدهما والأجر بينهما ".
(2) نهاية المحتاج 8 / 45 وما بعدها، والمغني 8 / 345 وما بعدها، وكشاف القناع 2 / 32 وما بعدها.
(3) سورة التوبة / 41.
(4) سورة التوبة / 39.
(5) حديث: " من مات ولم يغز ولم يحدث نفسه بالغزو. . . " أخرجه مسلم (3 / 1517 - ط الحلبي) من حديث أبي هريرة.
(6) نهاية المحتاج 8 / 45 وما بعدها.
الصفحة 130