كتاب الموسوعة الفقهية الكويتية (اسم الجزء: 16)
الْوَالِدَيْنِ فَرْضٌ يَتَعَيَّنُ عَلَيْهِ؛ لأَِنَّهُ لاَ يَنُوبُ عَنْهُ فِيهِ غَيْرُهُ، وَلِهَذَا قَال رَجُلٌ لاِبْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: إِنِّي نَذَرْتُ أَنْ أَغْزُوَ الرُّومَ، وَإِنَّ أَبَوَيَّ مَنَعَانِي، فَقَال: " أَطِعْ أَبَوَيْكَ فَإِنَّ الرُّومَ سَتَجِدُ مَنْ يَغْزُوهَا غَيْرَكَ ".
وَرُوِيَ نَحْوُ هَذَا عَنْ عُمَرَ وَعُثْمَانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، وَبِهِ قَال الأَْوْزَاعِيُّ وَالثَّوْرِيُّ، وَسَائِرُ أَهْل الْعِلْمِ (1) .
وَأَمَّا إِنْ كَانَ الأَْبَوَانِ كَافِرَيْنِ أَوْ أَحَدُهُمَا، فَيَرَى جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ أَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يُجَاهِدَ مِنْ غَيْرِ إِذْنِهِمَا؛ لأَِنَّ أَصْحَابَ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانُوا يُجَاهِدُونَ، وَفِيهِمْ مَنْ لَهُ أَبَوَانِ كَافِرَانِ مِنْ غَيْرِ اسْتِئْذَانِهِمَا، مِنْهُمْ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ وَأَبُو حُذَيْفَةَ بْنُ عُتْبَةَ بْنِ رَبِيعَةَ كَانَ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبُوهُ رَئِيسُ الْمُشْرِكِينَ (2) .
وَلأَِنَّ الْكَافِرَ مُتَّهَمٌ فِي الدِّينِ بِالْمَنْعِ مِنَ الْجِهَادِ لِمَظِنَّتِهِ قَصْدَ تَوْهِينِ الإِْسْلاَمِ.
وَقَال الْحَنَفِيَّةُ، وَهُوَ مَا صَرَّحَ بِاسْتِثْنَائِهِ بَعْضُ الْمَالِكِيَّةِ: إِنَّهُ لاَ يَخْرُجُ إِلاَّ بِإِذْنِ الأَْبَوَيْنِ الْكَافِرَيْنِ
__________
(1) ابن عابدين 3 / 220، وجواهر الإكليل 1 / 252، وحاشية الدسوقي 2 / 175، 176، والمهذب 2 / 229، ونهاية المحتاج 8 / 57، والمغني 8 / 358، والمحلى 7 / 292.
(2) فتح القدير 5 / 194، وابن عابدين 3 / 220، وحاشية الدسوقي 2 / 175، 176، وجواهر الإكليل 1 / 252، والمهذب 2 / 229، ونهاية المحتاج 8 / 57، والمغني 8 / 359، وكشاف القناع 3 / 44.
أَوْ أَحَدِهِمَا إِذَا كَرِهَ خُرُوجَهُ مَخَافَةً وَمَشَقَّةً، وَأَمَّا إِذَا كَانَ لِكَرَاهَةِ قِتَال أَهْل دِينِهِ فَلاَ يُطِيعُهُ مَا لَمْ يَخَفْ عَلَيْهِ الضَّيْعَةَ. إِذْ لَوْ كَانَ مُعْسِرًا مُحْتَاجًا إِلَى خِدْمَتِهِ فُرِضَتْ عَلَيْهِ وَلَوْ كَافِرًا، وَلَيْسَ مِنَ الصَّوَابِ تَرْكُ فَرْضِ عَيْنٍ لِيُتَوَصَّل إِلَى فَرْضِ كِفَايَةٍ، وَبِهَذَا قَال الثَّوْرِيُّ لِعُمُومِ الأَْخْبَارِ (1) .
وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَبَوَانِ وَلَهُ جَدٌّ أَوْ جَدَّةٌ لَمْ يَجُزْ أَنْ يُجَاهِدَ مِنْ غَيْرِ إِذْنِهِمَا؛ لأَِنَّهُمَا كَأَبَوَيْنِ فِي الْبِرِّ، وَلَوْ أَذِنَ لَهُ جَدُّهُ لأَِبِيهِ وَجَدَّتُهُ لأُِمِّهِ، وَلَمْ يَأْذَنْ لَهُ أَبُو الأُْمِّ وَأُمُّ الأَْبِ، فَصَرَّحَ الْحَنَفِيَّةُ بِأَنَّهُ لاَ بَأْسَ بِخُرُوجِهِ؛ لِقِيَامِ أَبِي الأَْبِ وَأُمِّ الأُْمِّ مَقَامَ الأَْبِ وَالأُْمِّ عِنْدَ فَقْدِهِمَا، وَالآْخَرَانِ كَبَاقِي الأَْجَانِبِ إِلاَّ إِذَا عُدِمَ الأَْوَّلاَنِ (2) .
وَإِنْ كَانَ لَهُ أَبٌ وَجَدٌّ، أَوْ أُمٌّ وَجَدَّةٌ، فَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ فِي الأَْصَحِّ وَهُوَ رَأْيٌ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ، إِلَى أَنَّهُ يَلْزَمُهُ اسْتِئْذَانُ الْجَدِّ مَعَ الأَْبِ، وَاسْتِئْذَانُ الْجَدَّةِ مَعَ الأُْمِّ، لأَِنَّ وُجُودَ الأَْبَوَيْنِ لاَ يُسْقِطُ بِرَّ الْجَدَّيْنِ، وَلاَ يُنْقِصُ شَفَقَتَهُمَا عَلَيْهِ.
وَالْمَذْهَبُ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ وَهُوَ قَوْلٌ لَدَى الشَّافِعِيَّةِ أَنَّهُ لاَ يَلْزَمُهُ؛ لأَِنَّ الأَْبَ وَالأُْمَّ يَحْجُبَانِ الْجَدَّ وَالْجَدَّةَ عَنِ الْوِلاَيَةِ وَالْحَضَانَةِ (3) .
__________
(1) ابن عابدين 3 / 220، وحاشية الدسوقي 2 / 176، والمغني 8 / 359.
(2) ابن عابدين 3 / 20.
(3) المهذب 2 / 229، ونهاية المحتاج 8 / 57، وروضة الطالبين 10 / 211، والمغني 8 / 359، وكشاف القناع 3 / 44.
الصفحة 133