كتاب الموسوعة الفقهية الكويتية (اسم الجزء: 16)

وَقَدْ نُقِل عَنْ مَالِكٍ كَرَاهِيَتُهُ الشَّدِيدَةُ لِلْقِتَال عَلَى جُعْلٍ.
وَإِنْ لَمْ يُوجَدْ شَيْءٌ فِي بَيْتِ الْمَال لاَ يُكْرَهُ الْجُعْل لِلضَّرُورَةِ، وَهُوَ دَفْعُ الضَّرَرِ الأَْعْلَى - أَيْ تَعَدِّي شَرِّ الْكُفَّارِ إِلَى الْمُسْلِمِينَ - بِالأَْدْنَى وَهُوَ الْجُعْل قَال ابْنُ عَابِدِينَ: فَيُلْتَزَمُ الضَّرَرُ الْخَاصُّ لِدَفْعِ الضَّرَرِ الْعَامِّ.
إِلاَّ أَنَّ الْمَالِكِيَّةَ يَشْتَرِطُونَ فِي جَوَازِ الْجُعْل أَنْ تَكُونَ الْخُرْجَةُ وَاحِدَةً، كَأَنْ يَقُول الْجَاعِل لِلْخَارِجِ عَنْهُ: أُجَاعِلُكَ بِكَذَا عَلَى أَنْ تَخْرُجَ بَدَلاً عَنِّي فِي هَذِهِ السَّنَةِ، أَمَّا لَوْ تَعَاقَدَ مَعَهُ عَلَى أَنَّهُ كُلَّمَا حَصَل الْخُرُوجُ لِلْجِهَادِ خَرَجَ نَائِبًا عَنْهُ فَلاَ يَجُوزُ لِقُوَّةِ الْغَرَرِ، فَالْمُرَادُ بِالْخُرْجَةِ الْمَرَّةُ مِنَ الْخُرُوجِ.
وَكَذَلِكَ مَنْ قَدَرَ عَلَى الْجِهَادِ بِنَفْسِهِ وَمَالِهِ لَزِمَهُ، وَلاَ يَنْبَغِي لَهُ أَخْذُ الْجُعْل. وَإِذَا قَال الْقَاعِدُ لِلْغَازِي، خُذْ هَذَا الْمَال لِتَغْزُوَ بِهِ عَنِّي لاَ يَجُوزُ، لأَِنَّهُ اسْتِئْجَارٌ عَلَى الْجِهَادِ، بِخِلاَفِ قَوْلِهِ: فَاغْزُ بِهِ (1) .
وَيَرَى الشَّافِعِيَّةُ أَنَّهُ لاَ يُجَاهِدُ أَحَدٌ عَنْ أَحَدٍ بِعِوَضٍ، أَوْ غَيْرِ عِوَضٍ؛ لأَِنَّهُ إِذَا حَضَرَ الْقِتَال تَعَيَّنَ عَلَيْهِ الْفَرْضُ فِي حَقِّ نَفْسِهِ فَلاَ يُؤَدِّيهِ عَنْ غَيْرِهِ.
وَلاَ يَصِحُّ مِنَ الإِْمَامِ أَوْ غَيْرِهِ اسْتِئْجَارُ مُسْلِمٍ
__________
(1) ابن عابدين 3 / 222، والمدونة 3 / 31، 44.
لِلْجِهَادِ؛ لأَِنَّهُ يَقَعُ عَنِ الْمُبَاشِرِ عَنْ نَفْسِهِ دُونَ غَيْرِهِ.
وَمَا يَأْخُذُهُ الْمُجَاهِدُونَ مِنَ الدِّيوَانِ مِنَ الْفَيْءِ، وَمَا يَأْخُذُهُ الْمُتَطَوِّعُ مِنَ الزَّكَاةِ إِعَانَةٌ لاَ أُجْرَةٌ.
وَمَنْ أُكْرِهَ عَلَى الْغَزْوِ لاَ أُجْرَةَ لَهُ إِنْ تَعَيَّنَ عَلَيْهِ، وَإِلاَّ اسْتَحَقَّهَا مِنْ خُرُوجِهِ إِلَى حُضُورِهِ الْوَاقِعَةِ (1) .
أَمَّا الْحَنَابِلَةُ فَقَدْ قَال الْخِرَقِيُّ: إِذَا اسْتَأْجَرَ الأَْمِيرُ قَوْمًا يَغْزُونَ مَعَ الْمُسْلِمِينَ لِمَنَافِعِهِمْ لَمْ يُسْهَمْ لَهُمْ وَأُعْطُوا مَا اسْتُؤْجِرُوا بِهِ. قَال ابْنُ قُدَامَةَ: نَصَّ أَحْمَدُ عَلَى هَذَا فِي رِوَايَةِ جَمَاعَةٍ، فَقَال فِي رِوَايَةِ عَبْدِ اللَّهِ وَحَنْبَلٍ: فِي الإِْمَامِ يَسْتَأْجِرُ قَوْمًا يَدْخُل بِهِمْ بِلاَدَ الْعَدُوِّ لاَ يُسْهِمُ لَهُمْ، وَيُوَفِّي لَهُمْ بِمَا اسْتُؤْجِرُوا عَلَيْهِ، وَقَال الْقَاضِي: هَذَا مَحْمُولٌ عَلَى اسْتِئْجَارِ مَنْ لاَ يَجِبُ عَلَيْهِ الْجِهَادُ كَالْعَبِيدِ وَالْكُفَّارِ.
أَمَّا الرِّجَال الْمُسْلِمُونَ الأَْحْرَارُ فَلاَ يَصِحُّ اسْتِئْجَارُهُمْ عَلَى الْجِهَادِ؛ لأَِنَّ الْغَزْوَ يَتَعَيَّنُ بِحُضُورِ الْغَزْوِ عَلَى مَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِهِ، فَإِذَا تَعَيَّنَ عَلَيْهِ الْفَرْضُ لَمْ يَجُزْ أَنْ يَفْعَلَهُ عَنْ غَيْرِهِ، كَمَنْ عَلَيْهِ حَجَّةُ الإِْسْلاَمِ لاَ يَجُوزُ أَنْ يَحُجَّ عَنْ غَيْرِهِ. ثُمَّ قَال ابْنُ قُدَامَةَ: وَيُحْتَمَل أَنْ يُحْمَل كَلاَمُ أَحْمَدَ
__________
(1) روضة الطالبين 10 / 240، 241، ونهاية المحتاج 8 / 62، 63، والمهذب 2 / 227.

الصفحة 141