كتاب الموسوعة الفقهية الكويتية (اسم الجزء: 16)

وَالْخِرَقِيِّ عَلَى ظَاهِرِهِ فِي صِحَّةِ الاِسْتِئْجَارِ عَلَى الْغَزْوِ لِمَنْ لَمْ يَتَعَيَّنْ عَلَيْهِ، لِمَا رَوَى أَبُو دَاوُدَ بِإِسْنَادِهِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو أَنَّ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَال: لِلْغَازِي أَجْرُهُ وَلِلْجَاعِل أَجْرُهُ (1) . وَرَوَى سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ عَنْ جُبَيْرِ بْنِ نُفَيْرٍ قَال: قَال رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَثَل الَّذِينَ يَغْزُونَ مِنْ أُمَّتِي وَيَأْخُذُونَ الْجُعْل، وَيَتَقَوَّوْنَ بِهِ عَلَى عَدُوِّهِمْ، مَثَل أُمِّ مُوسَى تُرْضِعُ وَلَدَهَا وَتَأْخُذُ أَجْرَهَا (2) وَلأَِنَّهُ أَمْرٌ لاَ يَخْتَصُّ فَاعِلُهُ أَنْ يَكُونَ مِنْ أَهْل الْقُرْبَةِ فَصَحَّ الاِسْتِئْجَارُ عَلَيْهِ كَبِنَاءِ الْمَسَاجِدِ، أَوْ لَمْ يَتَعَيَّنْ عَلَيْهِ الْجِهَادُ فَصَحَّ أَنْ يُؤَجِّرَ نَفْسَهُ عَلَيْهِ كَالْعَبْدِ، وَيُفَارِقُ الْحَجَّ حَيْثُ إِنَّهُ لَيْسَ بِفَرْضِ عَيْنٍ، وَأَنَّ الْحَاجَةَ دَاعِيَةٌ إِلَيْهِ، وَفِي الْمَنْعِ مِنْ أَخْذِ الْجُعْل عَلَيْهِ تَعْطِيلٌ لَهُ وَمَنْعٌ لَهُ مِمَّا فِيهِ لِلْمُسْلِمِينَ نَفْعٌ وَبِهِمْ إِلَيْهِ حَاجَةٌ، فَيَنْبَغِي أَنْ يَجُوزَ بِخِلاَفِ الْحَجِّ (3) .
__________
(1) حديث: " للغازي أجره وللجاعل أجره " أخرجه أبو داود (3 / 37 - تحقيق عزت عبيد دعاس) من حديث عبد الله بن عمرو وحسنه السيوطي كما في فيض القدير (5 / 291 - ط المكتبة التجارية) .
(2) حديث: " مثل الذين يغزون من أمتي ويأخذون الجعل. . . " أخرجه أبو داود في مراسليه كما في تحفة الأشراف للمزي (13 / 155 - ط الدار القيمة) من حديث سعيد بن جبير مرسلا، وعزاه كذلك المتقي الهندي إلى أبي نعيم والبيهقي عن جبير. كذا في كنز العمال (4 / 336 - ط الرسالة) .
(3) المغني 8 / 467.
وَأَمَّا الاِسْتِفَادَةُ مِنَ الْجُعْل عِنْدَ مَنْ قَال بِهِ فِي غَيْرِ الْجِهَادِ، فَقَدْ صَرَّحَ الْحَنَفِيَّةُ بِأَنَّهُ يَجُوزُ لِلْغَازِي أَنْ يَتْرُكَ بَعْضَ الْجُعْل لِنَفَقَةِ عِيَالِهِ؛ لأَِنَّهُ لاَ يَتَهَيَّأُ لَهُ الْخُرُوجُ إِلاَّ بِهِ (1) . وَقَال الْحَنَابِلَةُ: لاَ يَتْرُكُ لأَِهْلِهِ مِنْهُ شَيْئًا؛ لأَِنَّهُ لَيْسَ بِمِلْكِهِ إِلاَّ أَنْ يَصِل إِلَى رَأْسِ مَغْزَاهُ فَيَكُونُ كَمَالِهِ، فَيَبْعَثُ إِلَى عِيَالِهِ مِنْهُ، وَلاَ يَتَصَرَّفُ فِيهِ قَبْل الْخُرُوجِ لِئَلاَّ يَتَخَلَّفَ عَنِ الْغَزْوِ، فَلاَ يَكُونُ مُسْتَحِقًّا لِمَا أَنْفَقَهُ، إِلاَّ أَنْ يَشْتَرِيَ مِنْهُ سِلاَحًا أَوْ آلَةً لِلْغَزْوِ (2) .
وَمَنْ أُعْطِيَ شَيْئًا مِنَ الْمَال يَسْتَعِينُ بِهِ فِي غَزْوَةٍ بِعَيْنِهَا فَمَا فَضَل بَعْدَهَا فَهُوَ لَهُ، كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْحَنَابِلَةُ، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ عَطَاءٌ وَمُجَاهِدٌ، وَسَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ، وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ إِذَا أَعْطَى شَيْئًا فِي الْغَزْوِ يَقُول لِصَاحِبِهِ: إِذَا بَلَغْتَ وَادِيَ الْقُرَى فَشَأْنُكَ بِهِ. وَلأَِنَّهُ أَعْطَاهُ عَلَى سَبِيل الْمُعَاوَنَةِ وَالنَّفَقَةِ، لاَ عَلَى سَبِيل الإِْجَارَةِ، فَكَانَ الْفَاضِل لَهُ، وَإِنْ أَعْطَاهُ شَيْئًا لِيُنْفِقَهُ فِي الْغَزْوِ مُطْلَقًا، فَفَضَل مِنْهُ فَضْلٌ، أَنْفَقَهُ فِي غَزْوَةٍ أُخْرَى؛ لأَِنَّهُ أَعْطَاهُ الْجَمِيعَ لِيُنْفِقَهُ فِي جِهَةِ قُرْبَةٍ فَلَزِمَهُ إِنْفَاقُ الْجَمِيعِ فِيهَا (3) .
__________
(1) ابن عابدين 3 / 222.
(2) المغني 8 / 370.
(3) المرجع السابق.

الصفحة 142