كتاب الموسوعة الفقهية الكويتية (اسم الجزء: 16)

وَلِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي وَصِيَّةِ أُمَرَاءِ الأَْجْنَادِ: فَادْعُهُمْ إِلَى شَهَادَةِ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ؛ وَلأَِنَّهُمْ بِالدَّعْوَةِ يَعْلَمُونَ أَنَّا نُقَاتِلُهُمْ عَلَى الدِّينِ لاَ عَلَى سَلْبِ الأَْمْوَال وَسَبْيِ الذَّرَارِيِّ، فَلَعَلَّهُمْ يُجِيبُونَ فَنُكْفَى مُؤْنَةَ الْقِتَال (1) .
قَال الْمَالِكِيَّةُ. وَدَعْوَةُ الْكُفَّارِ وُجُوبًا إِلَى الإِْسْلاَمِ تَسْتَمِرُّ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ فِي كُل يَوْمٍ مَرَّةً، فَإِذَا دُعُوا أَوَّل الثَّالِثِ قُوتِلُوا فِي أَوَّل الرَّابِعِ بَعْدَ دَعْوَتِهِمْ فِيهِ لأَِدَاءِ الْجِزْيَةِ وَامْتِنَاعِهِمْ، وَلاَ تَجِبُ دَعْوَتُهُمْ لِلإِْسْلاَمِ لاَ فِي بَقِيَّةِ الثَّالِثِ، وَلاَ فِي أَوَّل الرَّابِعِ. ثُمَّ إِنْ أَبَوْا قَبُول الإِْسْلاَمِ دُعُوا إِلَى أَدَاءِ الْجِزْيَةِ مَرَّةً وَاحِدَةً فِي أَوَّل الْيَوْمِ الرَّابِعِ إِجْمَالاً، إِلاَّ أَنْ يَسْأَلُوا عَنْ تَفْصِيلِهَا بِمَحَلٍّ يُؤْمَنُ فِيهِ غَدْرُهُمْ لِكَوْنِهِمْ تَنَالُهُمْ فِيهِ أَحْكَامُنَا، وَإِلاَّ بِأَنْ لَمْ يُجِيبُوا أَوْ أَجَابُوا وَلَكِنْ بِمَحَلٍّ لاَ تَنَالُهُمْ أَحْكَامُنَا فِيهِ، وَلَمْ يَرْتَحِلُوا لِبِلاَدِنَا قُوتِلُوا وَقُتِلُوا (2) . وَلَوْ قَاتَلَهُمُ الْمُسْلِمُونَ قَبْل الدَّعْوَةِ أَثِمُوا لِلنَّهْيِ، وَلاَ يَضْمَنُ الْمُسْلِمُونَ شَيْئًا مِمَّا أَتْلَفُوهُ مِنَ الدِّمَاءِ وَالأَْمْوَال عِنْدَ
__________
(1) حديث: " وصية النبي صلى الله عليه وسلم لأمراء الأجناد " سبق تخريجه بهذا المعنى آنفا ف / 24. وانظر: شرح فتح القدير 5 / 195 وما بعدها، وحاشية رد المحتار 3 / 223.
(2) حاشية الدسوقي 2 / 176 وجواهر الإكليل 1 / 252.
الْحَنَفِيَّةِ مَعَ الإِْثْمِ، وَهَذَا لِعَدَمِ الْعَاصِمِ وَهُوَ الدِّينُ، أَوِ الإِْحْرَازُ بِالدَّارِ، فَصَارَ كَقَتْل النِّسْوَانِ وَالصِّبْيَانِ (1) .
هَذَا فِي حَقِّ مَنْ لَمْ تَبْلُغْهُ الدَّعْوَةُ مِنْ عَبَدَةِ الأَْوْثَانِ وَغَيْرِهِمْ، وَكَذَلِكَ إِنْ وُجِدَ مِنْ أَهْل الْكِتَابِ مَنْ لَمْ تَبْلُغْهُ الدَّعْوَةُ دُعُوا قَبْل الْقِتَال.
أَمَّا مَنْ بَلَغَتْهُ الدَّعْوَةُ مِنْ أَهْل الْكِتَابِ وَالْمَجُوسِ، فَإِنَّهُ لاَ تَجِبُ دَعْوَتُهُمْ؛ لأَِنَّ الدَّعْوَةَ قَدِ انْتَشَرَتْ وَعَمَّتْ، فَلَمْ يَبْقَ مِنْهُمْ مَنْ لَمْ تَبْلُغْهُ الدَّعْوَةُ إِلاَّ نَادِرٌ بَعِيدٌ.
ذَكَرَ ابْنُ عَابِدِينَ نَقْلاً عَنِ الْفَتْحِ: أَنَّ الْمَدَارَ عَلَى غَلَبَةِ الظَّنِّ بِأَنَّ هَؤُلاَءِ لَمْ تَبْلُغْهُمُ الدَّعْوَةُ (2) .
قَال أَحْمَدُ: إِنَّ الدَّعْوَةَ قَدْ بَلَغَتْ وَانْتَشَرَتْ، وَلَكِنْ إِنْ جَازَ أَنْ يَكُونَ قَوْمٌ خَلْفَ الرُّومِ وَخَلْفَ التُّرْكِ عَلَى هَذِهِ الصِّفَةِ لَمْ يَجُزْ قِتَالُهُمْ قَبْل الدَّعْوَةِ (3) ، وَذَلِكَ لِمَا رَوَى بُرَيْدَةُ أَنَّ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَال: إِذَا لَقِيتَ عَدُوَّكَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ فَادْعُهُمْ إِلَى إِحْدَى ثَلاَثِ خِصَالٍ (4) . . . الْحَدِيثَ.
وَقَال مَالِكٌ: أَمَّا مَنْ قَارَبَ الدُّرُوبَ فَالدَّعْوَةُ
__________
(1) السرخسي 10 / 30، وابن عابدين 3 / 223.
(2) ابن عابدين 3 / 223.
(3) المغني 8 / 362.
(4) المدونة 3 / 2. وحديث: " إذا لقيت عدوك. . . " تقدم تخريجه آنفا ف / 24.

الصفحة 144