كتاب الموسوعة الفقهية الكويتية (اسم الجزء: 16)
وَقَال الشَّافِعِيَّةُ فِي الأَْظْهَرِ وَابْنُ الْمُنْذِرِ: يَجُوزُ قَتْل الشُّيُوخِ؛ لِعُمُومِ قَوْله تَعَالَى: {فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ (1) } وَلِقَوْل النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: اقْتُلُوا شُيُوخَ الْمُشْرِكِينَ وَاسْتَحْيُوا شَرْخَهُمْ (2) . وَلأَِنَّهُمْ أَحْرَارٌ مُكَلَّفُونَ فَجَازَ قَتْلُهُمْ كَغَيْرِهِمْ. وَالْخِلاَفُ فِي قَتْل الزَّمِنِ وَالأَْعْمَى وَمَنْ فِي مَعْنَاهُمَا كَيَابِسِ الشِّقِّ، وَمَقْطُوعِ الْيُمْنَى، أَوِ الْمَقْطُوعِ مِنْ خِلاَفٍ، كَالْخِلاَفِ فِي الشَّيْخِ (3) .
وَلاَ يُقْتَل الرَّاهِبُ فِي صَوْمَعَتِهِ، وَلاَ أَهْل الْكَنَائِسِ الَّذِينَ لاَ يُخَالِطُونَ النَّاسَ، فَإِنْ خَالَطُوا قُتِلُوا كَالْقِسِّيسِ، وَلاَ سَائِحٌ فِي الْجِبَال لاَ يُخَالِطُ النَّاسَ.
وَالَّذِي يُجَنُّ وَيُفِيقُ، يُقْتَل فِي حَال إِفَاقَتِهِ وَإِنْ لَمْ يُقَاتِل (4) .
وَصَرَّحَ الْحَنَابِلَةُ بِأَنَّ الْمَرِيضَ يُقْتَل إِذَا كَانَ مِمَّنْ لَوْ كَانَ صَحِيحًا قَاتَل؛ لأَِنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الإِْجْهَازِ عَلَى الْجَرِيحِ، إِلاَّ أَنْ يَكُونَ مَأْيُوسًا مِنْ بُرْئِهِ، فَيَكُونُ
__________
(1) سورة التوبة / 5.
(2) حديث: " اقتلوا شيوخ المشركين، واستحيوا شرخهم " أخرجه الترمذي (4 / 145 - ط الحلبي) من حديث سمرة ابن جندب، وفي سنده انقطاع بين سمرة والراوي عنه.
(3) البدائع 7 / 101، وابن عابدين 3 / 224، 225، وحاشية الدسوقي 2 / 176، ونهاية المحتاج 8 / 64، والمغني 8 / 477.
(4) ابن عابدين 3 / 225، والبدائع 7 / 101.
بِمَنْزِلَةِ الزَّمِنِ لاَ يُقْتَل؛ لأَِنَّهُ لاَ يَخَافُ مِنْهُ أَنْ يَصِيرَ إِلَى حَالٍ يُقَاتِل فِيهَا.
وَكَذَلِكَ الْفَلاَّحُ الَّذِي لاَ يُقَاتِل، وَبِهِ قَال الأَْوْزَاعِيُّ لِقَوْل ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: " اتَّقُوا اللَّهَ فِي الْفَلاَّحِينَ الَّذِينَ لاَ يَنْصِبُونَ لَكُمُ الْحَرْبَ ".
وَعِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ يُقْتَل، لِدُخُولِهِ فِي عُمُومِ الْمُشْرِكِينَ (1) .
وَصَرَّحَ بَعْضُ الْفُقَهَاءِ بِأَنَّهُ لاَ يَجُوزُ قَتْل رَسُول الْكُفَّارِ (2) .
وَيَجُوزُ قَتْل مَنْ قَاتَل مِمَّنْ ذَكَرْنَا وَلَوِ امْرَأَةً؛ لأَِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَتَل يَوْمَ قُرَيْظَةَ امْرَأَةً طَرَحَتِ الرَّحَا عَلَى خَلاَّدِ بْنِ سُوَيْدٍ فَقَتَلَتْهُ (3) .
قَال ابْنُ قُدَامَةَ: وَلاَ نَعْلَمُ فِي ذَلِكَ خِلاَفًا، وَبِهِ قَال الأَْوْزَاعِيُّ، وَالثَّوْرِيُّ وَاللَّيْثُ؛ لِقَوْل ابْنِ عَبَّاسٍ: مَرَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِامْرَأَةٍ مَقْتُولَةٍ يَوْمَ الْخَنْدَقِ، فَقَال: مَنْ قَتَل هَذِهِ؟ قَال رَجُلٌ: أَنَا يَا رَسُول اللَّهِ. قَال: وَلِمَ؟ قَال: نَازَعَتْنِي قَائِمَ سَيْفِي. قَال: فَسَكَتَ (4) .
__________
(1) المغني 8 / 478، 479.
(2) روضة الطالبين 10 / 244، ونهاية المحتاج 8 / 64.
(3) حديث: " أن النبي صلى الله عليه وسلم قتل يوم قريظة. . . " أخرجه ابن إسحاق في المغازي كما في السيرة النبوية لابن كثير (3 / 242 - نشر دار إحياء التراث) .
(4) حديث: " من قتل هذه؟ " أخرجه أبو داود في المراسيل كما في التلخيص الحبير (4 / 102 - ط شركة الطباعة الفنية) .
الصفحة 149